“إصلاح مدونة الأسرة: رؤية ملكية توازن بين الشريعة الإسلامية وعدالة القيم الكونية”

0
70
صورة: و م ع

في خطوة جديدة تُجسّد الرؤية الملكية، ترأس صاحب الجلالة الملك المفدى محمد السادس حفظه الله  جلسة عمل هامة بالقصر الملكي العامر  في الدار البيضاء، لتخصيصها لمراجعة مدونة الأسرة المغربية. تعتبر هذه الجلسة تتويجًا لعملية تشاورية عميقة بدأت منذ فترة طويلة، تهدف إلى تقديم إطار قانوني يواكب التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها المغرب، ويحترم في ذات الوقت المبادئ الإسلامية وقيم العدالة الكونية.

هل هذا الإصلاح يواكب تطلعات المجتمع المغربي؟

لم تكن جلسة العمل مجرد محطة عابرة، بل كانت تجسيدًا لمسار طويل من النقاشات والتشاورات التي شارك فيها مختلف الخبراء، المؤسسات الدينية، والمجتمع المدني. ما يميز هذا الإصلاح هو أنه يأتي بعد جلسات استماع مكثفة، جمعت أطيافًا متعددة من أجل تقديم مقترحات تتناسب مع واقع الأسرة المغربية، في إطار يحترم الخصوصية الثقافية للمجتمع، ويواكب التحولات المعاصرة. ولكن، هل يكفي هذا التوجه للتماشي مع التطورات السريعة التي تشهدها الأسر المغربية؟ وهل يمكن أن تلبي هذه المراجعة المتطلبات العصرية للمجتمع مع الحفاظ على الأسس الدينية؟

إصلاح يدمج الشريعة والقيم العالمية

أُحيلت المقترحات القانونية إلى المجلس العلمي الأعلى، حيث عملت اللجنة المكلفة بمراجعة المدونة على استشارة رجال الدين الذين قدموا آراءً شرعية تعتمد على مبدأ “عدم تحريم حلال ولا تحليل حرام”. فهل هذا المبدأ كافٍ لضمان توازن عادل بين حقوق أفراد الأسرة؟ وهل يمكن للأحكام الشرعية أن تواكب التطور الاجتماعي والاقتصادي، أم أنها ستظل حبيسة الفهم التقليدي؟

التفاعل مع الرأي العام: خطوة نحو إشراك المواطنين

من بين أهم التوجيهات التي أطلقها الملك المفدى حفظه الله ورعاه، هو ضرورة التواصل المستمر مع الرأي العام حول المراجعة، من خلال برامج توعوية وبيانات صحفية توضح تفاصيل الإصلاح. ولكن هل ستنجح الحكومة في تحقيق هذا التواصل الفعّال مع جميع فئات المجتمع؟ هل سيستطيع المواطنون أن يفهموا ويقبلوا التعديلات الجديدة في ظل الاختلافات الاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها الأسر المغربية؟

دور الاجتهاد الدائم في مأسسة الفقه

جاءت توجيهات الملك السامية بضرورة تأسيس إطار دائم للاجتهاد في قضايا الأسرة ضمن هيكلة المجلس العلمي الأعلى. الهدف هو التعامل مع القضايا الفقهية المتجددة بشكل مستمر، بعيدًا عن الاجتهاد الموسمي. فهل هذا التوجه سيُسهم في حل الإشكاليات المستمرة التي تواجه الأسر المغربية، أم أنه سيتوقف عند قضايا بعينها دون أن يتطرق إلى الجديد الذي يطرأ على المجتمع؟

هل سيُسهم هذا الإصلاح في تعزيز استقرار الأسرة المغربية؟

من خلال هذا الإصلاح، يسعى جلالة الملك المفدى محمد السادس حفظه الله  إلى تعزيز مكانة الأسرة المغربية، وضمان حقوقها في ضوء مبادئ العدالة والمساواة. ولكن تبقى الأسئلة الكبرى حول مدى تأثير هذه التعديلات على تعزيز استقرار الأسرة في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها.

إجمالًا، هذا الإصلاح ليس مجرد تعديل قانوني، بل هو خطوة كبيرة نحو تعزيز التوازن بين الأصالة والحداثة، مع الحفاظ على القيم الدينية وإحداث تأثير إيجابي في حياة الأسر المغربية. هل ستنجح هذه المبادرة في تحقيق التوازن المطلوب بين الدين والحداثة؟ وكيف ستتفاعل الأسر المغربية مع هذا التغيير؟

“تجارب دول إسلامية: دروس مستفادة”

تونس: ريادة حقوق المرأة
منذ عام 1956، أدخلت تونس إصلاحات غير مسبوقة في مجلة الأحوال الشخصية، مثل منع تعدد الزوجات وتجريم الزواج القسري. هذه الإصلاحات ساعدت على تحسين مكانة المرأة، لكنها أثارت أيضًا جدلًا بين التيار المحافظ والإصلاحي. فكيف يمكن للمغرب التوازن بين هذه التوجهات المتناقضة؟

ماليزيا: تعدد الأنظمة وتكاملها
يجمع النظام الماليزي بين القانون الشرعي والقانون المدني، مما يوفر حلولًا مرنة لقضايا الأسرة. يعد هذا النموذج ملهمًا لضمان التوازن بين الأصالة والحداثة في المغرب، مع مراعاة القيم الثقافية المحلية.

إندونيسيا: مرونة تنوع الثقافات
تُعتبر إندونيسيا مثالًا في تطبيق الشريعة مع مراعاة التنوع الثقافي والديني. المحاكم الشرعية لديها مرونة في التفسير، مما يساعد على التعامل مع قضايا معقدة في مجتمع متنوع. هل يمكن للمغرب اعتماد إطار مشابه يسمح بالاجتهاد ضمن سياق حداثي؟

نحو نموذج مغربي فريد

يمثل إصلاح مدونة الأسرة خطوة تاريخية تهدف إلى تعزيز مكانة الأسرة المغربية في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية. ومع الاستفادة من التجارب الإسلامية، يمكن للمغرب أن يقدم نموذجًا فريدًا يجمع بين الأصالة والحداثة. فهل سيكون هذا الإصلاح كافيًا لتحقيق استقرار الأسرة المغربية؟ وكيف ستنعكس هذه التعديلات على حقوق المرأة والطفل وحماية الأسرة ككل؟

ختامًا

إن مراجعة مدونة الأسرة ليست مجرد تعديل قانوني، بل هي مشروع اجتماعي وثقافي يطمح إلى تحقيق توازن عادل بين القيم الإسلامية ومتطلبات العصر. ومع القيادة الملكية الحكيمة، يبدو المغرب على أعتاب مرحلة جديدة تضع الأسرة في صميم التنمية المستدامة.