إصلاح مدونة الأسرة.. يضع حكومة “أخنوش” أمام اختبار “لا تحرم الحلال ولا تحلل الحرام وتقوم في انفتاحها على المطالب الحقوقية”

0
448

ستطفو على السطح من جديد الخلافات بين فريق محافظ يدعو إلى التشبث بالمرجعية المحلية ومراعاة خصوصية المجتمع، وآخر يحث على مواكبة المتغيرات الحقوقية والاستناد إلى المواثيق والقوانين الدولية. وسط هذا “التدافع” الفكري، تجد الحكومة نفسها أمام تحد كبير ودقيق يفرض عليها تبني مقاربة تشاركية ونهج استشاري لعكس جميع وجهات النظر في القانون المنتظر.

الرباط – عقد رئيس الحكومة،  عزيز أخنوش، اليوم الأربعاء بمقر رئاسة الحكومة، اجتماعا خصص لتنزيل مضامين الرسالة الملكية المتعلقة بإعادة النظر في مدونة الأسرة، والتي وجهها الملك محمد السادس، لرئيس الحكومة.

حضر هذا الاجتماع وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محمد عبد النباوي، والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي.

وفي تصريح للصحافة، عقب هذا الاجتماع، قال عزيز أخنوش إن الرسالة الملكية حددت الجهة التي ستشرف على عملية الإصلاح، والمشكلة من وزارة العدل، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وكذا منهجية العمل المبنية على الإنصات وفق مقاربة تشاركية، بالإضافة إلى تحديد ستة أشهر كسقف زمني لعملها.

وأشار أخنوش إلى أنه سيتم، عقد اجتماع بداية الأسبوع المقبل، يعقبه لقاءات للانصات لجميع مكونات المجتمع المغربي المعنية بهذا الأمر.

وأوضح أن هذا الإصلاح يشكل لحظة إصلاحية لحظة كبرى بالنسبة للمغرب، معربا عن الأمل في أن يساهم فيها جميع المتدخلون بشكل إيجابي، كما يريد ذلك الملك محمد السادس.

امس الثلاثاء ، وجه صاحب الجلالة الملك المفدى محمد السادس حفظه الله، الحكومة بإعادة النظر في مدونة الأسرة، بعد سنوات من مطالبات جمعيات نسائية بإدخال إصلاحات عليها.

وذكر الديوان الملكي المغربي أن الملك أرسل رسالة إلى رئيس الحكومة المغربية عبدالعزير أخنوش تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة، ورفع التوصيات إليه خلال ستة أشهر.

وقال البيان، إن “الرسالة الملكية تأتي تفعيلا للقرار السامي الذي أعلن عنه جلالته في خطاب العرش لسنة 2022، وتجسيدا للعناية الكريمة التي ما فتئ يوليها، للنهوض بقضايا المرأة وللأسرة بشكل عام”.

وأضاف البيان أنه “بموازاة تكليف جلالة الملك، لرئيس الحكومة، من خلال هذه الرسالة، فقد أسند الإشراف العملي على إعداد هذا الإصلاح الهام، بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وذلك بالنظر لمركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع”.

كما دعا الملك المفدى محمد السادس الوزارات والمؤسسات بأن “تشرك بشكل وثيق في هذا الإصلاح الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، مع الانفتاح أيضا على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين”.

وأكد الديوان الملكي أن مقترحات التعديلات التي ستنبثق عن هذه المشاورات سيتم رفعها لصاحب الجلالة الملك المفدى محمد السادس، في أجل أقصاه 6 أشهر، وذلك قبل إعداد الحكومة لمشروع قانون في هذا الشأن، وعرضه على مصادقة البرلمان”.

وفق محمد عبد الوهاب رفيقي مستشار وزير العدل المغربي فإنه “لا يعرف إلى اليوم أي مقاربة ستنهجها الدولة في موضوع مدونة الأسرة والتعديلات المرتقبة بشأنها، -هل بإسناد الموضوع إلى وزارة العدل اعتبارا لصفتها التشريعية أم إلى لجنة خاصة تضم مستشارين ملكيين كما حدث خلال الإعداد لمدونة 2004 أم غير ذلك، لكنه استدرك موضحا أن هذا “لا ينفي أن الوزارة تشتغل حول الموضوع ولديها رؤيتها في حال اللجوء إليها”.

في هذا السياق، أوضح رفيقي أن مقاربة وزارة العدل “تعتمد بشكل كبير على التوفيق بين النفس الحقوقي الذي ترى أنه مهم وبين مراعاة الخصوصية المحلية والثوابت والتاريخ، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن التجديد والاجتهاد أساسيان لأي إصلاح، والالتفات إلى المواثيق الكونية مهم، خاصة وأن الوزارة تتلقى باستمرار تساؤلات من لدن مؤسسات حقوقية دولية حول هذا الأمر”.

وجعلت مدونة الأسرة، التي تم اعتمادها في 2004، مسؤولية الأسرة تحت رعاية الزوجين، وقيدت تعدد الزوجات، وجعلت الطلاق تحت إشراف القضاء، ومنحت الزوجة حق طلبه، وحق الولاية على نفسها، وهي إصلاحات مهمة لكن هذا لم يمنع من طرح الحاجة إلى معالجة ما نقص فيها تماشيا مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها المجتمع المغربي.

أما الباحث الأكاديمي والناشط الحقوقي أحمد عصيد، فيرجح أن التعديلات المرتقبة على مدونة الأسرة خطوة جديدة في طريق المساواة، إذ في نظره، لم يدع الملك محمد السادس في خطاب رسمي إلى هذه المراجعة إلا بعد اقتناع الدولة بأن النص السابق المعدل قبل 18 سنة لم يعد يحقق العدل المطلوب للنساء والأطفال، بعد أن ظهرت ثغرات كثيرة.

حسب عصيد فإن منطق الدولة المغربية في مراجعة هذا النص يحكمه دائما هاجس السعي التدريجي إلى المساواة ورفع الظلم، ولهذا من المنتظر أن تتحقق خطوات جديدة لصالح المرأة المغربية.

أما الخلاف الموجود في المجتمع وفي النقاش العمومي بين التيار الديمقراطي والتيار الديني فيمكن وفق المتحدث “تسويته من خلال التحكيم الملكي عبر صلاحيات إمارة المؤمنين التي تمكن من التقدم التدريجي دون إحداث الفتنة التي يهدد بها دائما تيار التطرف الديني” وفق توصيفه، كلما تعلق الأمر بحقوق النساء، ويرفض في كل مرة أي تعديل كما يعارض أية محاولة لإخراج المرأة من “الوصاية والعنف الذكوري”.

في المقابل، يرى لحسن السكنفل، عضو المجلس العلمي المغربي الأعلى، أن “المرجعية الإسلامية تبقى أساس أي مراجعة لحفظ حقوق مكونات الأسرة جميعها، زوجا وزوجة وأطفالا” مؤكدا أن “هذه المراجعة لا تحرم الحلال ولا تحلل الحرام وتقوم في انفتاحها على المطالب الحقوقية على النصوص قطعية الدلالة، سواء أكانت قرآنا أو سنة، وفي إطارهما يكون الاجتهاد الذي يراعي التغيرات المجتمعية، ويجمع إلى فقه النصوص فقه الواقع وفقه التنزيل وفقه المآلات”.

 من جهتها، ذكرت الكاتبة الوطنية لمنظمة “النساء الاتحاديات” حنان رحاب في تصريحات إعلامية سابقة، بأن مدونة الأسرة حين تم إقرارها قبل حوالي 20 سنة كانت “تمثل ثورة ثقافية واجتماعية، وكانت تمثل واحدة من عناصر العقد الاجتماعي الجديد القائم على الحداثة والديمقراطية”، معتبرة أن النقاش الذي أطلقه الملك قبل سنة حول تحيين وتطوير المدونة، هو “عنوان آخر على أن مسيرة التحديث خلال عهد محمد السادس شهدت طفرات فرضت تعديل المدونة لكي تستجيب للمتغيرات داخل المجتمع الذي عرف تحولا في نسقه العام لصالح حقوق النساء، يشهد عليه تنامي مشاركة النساء في الشأن العام بمختلف مناحيه”.

في هذا السياق، تعتبر رحاب أن المنظمة التي تنتمي إليها والتابعة لحزب اشتراكي يساري حداثي، تؤكد جليا أن المدونة الحالية تضم بنودا مرتبطة بقضايا نفقة الأولاد أو سن الزواج او إجراءات الطلاق تحتاج لتعديلات، لأنها أصبحت متجاوزة، مشيرة إلى أن المملكة “قادرة على الخروج بنص جديد يستجيب لأفق المساواة الشاملة والإنصاف، عبر آليات الحوار والإنصات والتوافق”.

من بين أهم النقاط الخلافية والمثيرة للجدل في القانون الحالي مسألة المساواة في الإرث بين الذكور والإناث وزواج القاصرات وحق الأم في الحضانة ثم اعتماد اختبارات الحمض النووي لإثبات بنوة الأطفال المولودين خارج إطار الزواج.

بدورها أكد أسماء المرابط، الباحثة المغربية المتخصّصة في قضايا متعلقة بالمرأة والإسلام، في تصريح لـ”العرب” أن “مراجعة مدونة الأسرة أصبحت ضرورة ملحة ونحن اليوم بحاجة إلى فتح باب الاجتهاد، مع الابتعاد عن الحزازيات الأيديولوجية أو الحسابات السياسية الضيقة، وأن يكون النقاش هادئا ضمن فضاء يجمع كل الفعاليات الدينية والمجتمعية وذوي الاختصاصات العلمية لإيجاد حلول ملائمة من داخل مرجعيتنا الإسلامية ولمصلحة المجتمع”.

وأكدت خديجة الزومي، نائبة رئيس مجلس النواب ورئيسة منظمة المرأة الاستقلالية (تابعة لحزب الاستقلال المشارك في الحكومة)، أن هناك عددا من الأمور التي يجب أن تناقش في ما يتعلق بالمدونة، كمسألة الحضانة وتزويج القاصر وغيرهما، لكن النصوص القطعية التي تحدث عنها الإسلام خط أحمر، كموضوع الإرث.

وقالت جمعية المرأة المناضلة إن المغرب من خلال الدعوة الرسمية لإعادة النظر في المدونة يسعى “لتكريس مبدأ المناصفة وتحقيق المساواة بين المرأة والرجل على كافة المستويات والأصعدة، ووضع لذلك آليات عديدة تصون وتحمي حقوق المرأة، التي تقوم بدور مهم في الحياة العامة، وإعادة النظر في التشريعات التي لا تخرج عن قاعدة البنية القانونية التقليدية التي تميزت ببسط مظاهر التعسف والحيف والإقصاء في حق النساء”.

وانتهى مسار تعزيز حقوق المرأة بإعلان المغرب سحب تحفظاته بشأن الاتفاقية الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، لكن الجمعيات النسائية ما زالت تناضل لاقرار القوانين مقابل مقاومة المحافظين، بحسب وكالة فرانس برس.

المساواة في الإرث

 على رأس القضايا التي استأثرت باهتمام كبير نظرا لحساسيتها داخل المجتمع المغربي، المساواة في الإرث بين الجنسين، إذ تصدرت النقاش الدائر حول تعديل مدونة الأسرة، خاصة بعد مطالبة مجموعة من الهيئات والمنظمات الحقوقية بمراجعة منظومة الإرث، الأمر الذي رفضه التيار المحافظ، وسبق في هذا الإطار للأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية أن عبرت عن موقفها الرافض للدعوات الصادرة عن بعض الجهات التي وصفتها بـ “المعزولة” المنادية بالمساواة في الإرث، واعتبرتها “فضلا عن كونها دعوات مستجيبة لإملاءات خارجية، خروجا عن الإجماع الوطني والثوابت الدينية والدستورية للمملكة، وتجاوزا للإطار الذي حدده الملك الذي أكد على ضرورة احترام النصوص القرآنية القطعية”.

من بين حجج الداعين إلى تغييرات جذرية، ما يصفونه بالتناقض الحاصل بين قانون الأسرة الحالي ومضامين دستور 2011، خصوصا مع المادة 19 التي تكفل المساواة في الحقوق والحريات بين الرجل والمرأة، ومع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وخاصة “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة”.

في هذا السياق، تعتبر “فيدرالية رابطة حقوق النساء” أن المعيار الأساسي الذي يفترض أن ترتكز عليه التعديلات المرتقبة هو واقع المرأة المغربية والتحديات التي تواجهها وليس قواعد الفقه الإسلامي المرتبطة بسياقات مجتمعية وسياسية لم تعد قائمة.

حق الوصاية والحضانة

 حسب المادة 231 من مدونة الأسرة فإن حق الوصاية على الأطفال يمنح تلقائيا للأب، ما يرى فيه المدافعون عن حقوق المرأة “تهميشا” لدور الأم “وحرمان” الأطفال من حقهم في علاقة متوازنة مع الأبوين، لذلك يطالبون بتكريس المساواة في الحقوق بين الأب والأم ليكونا سويا أوصياء على أطفالهما.

من جهة أخرى، يسحب القانون الحالي حضانة الأم لطفلها الذي يزيد عمره عن سبع سنوات بمجرد زواجها، لذلك يدعو البعض إلى إلغاء هذا المقتضى لـ “ضمان حقوق الأمهات والأطفال”.

وفق الباحث أحمد عصيد، فإن “المقاربة الحقوقية التي ينص عليها الدستور المغربي والتي تقر المساواة بين الجنسين، كما تعلن سمو المعاهدات الدولية على التشريعات الوطنية، وتأكد على أن منظومة حقوق الإنسان كل غير قابل للتجزيء، لا تسير في اتجاه جبر الخواطر والتوافقات الهشة، بل تسير نحو انتزاع مزيد من الحقوق للنساء المغربيات، وخاصة فيما يتعلق بولاية المرأة على الأطفال، ومنع تزويج القاصرات، ومنع التعدد، وإلغاء التعصيب في الإرث، والسعي نحو المساواة في الإرث ولو بإقرار قانون مدني بجانب النظام الشرعي التقليدي وضمان المصلحة الفضلى للطفل في الحضانة، وهي كلها مطالب ملحة ما فتئت تؤكد عليها الحركات النسائية المغربية”.