إعاقات الإقامة للمهاجرين المغاربة في فرنسا: أزمة حقوقية تتجاوز البيروقراطية

0
194

باريس – في ظل تأخيرات مستمرة تعيق حصول المهاجرين القانونيين، وبالخصوص المغاربة، على بطاقات الإقامة الدائمة، أطلقت الجمعية الفرنسية ـ المغربية لحقوق الإنسان بباريس، بقيادة يوسف الإدريسي الحسني، تحذيراً رسمياً لوزير الداخلية الفرنسي، لوران نونيز، مطالبة بالتدخل العاجل لمعالجة هذه المعضلة التي تحمل أبعاداً إنسانية وقانونية خطيرة.

البيان الصادر عن الجمعية يشير إلى أن هذه التأخيرات تتسبب في تفكك أسرية وانتهاك لكرامة المقيمين، إضافة إلى تهديد فرص العمل للأجانب المندمجين في المجتمع الفرنسي والملتزمين بواجباتهم الضريبية، وهو ما يتناقض مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان المنصوص عليها في المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة الثامنة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والمادة L.314-14 من قانون دخول وإقامة الأجانب الفرنسي (CESEDA).

وأوضح يوسف الإدريسي الحسني أن المعضلة الأساسية تتعلق بصعوبة الحصول على مواعيد لتجديد بطاقات الإقامة، حيث تفشل المنصات الإلكترونية في تلبية الطلب المتزايد، مما يترك العديد من المهاجرين في موقف قانوني هش. بعد انتهاء صلاحية البطاقة، يوفّر القانون الفرنسي ثلاثة أشهر فقط للحماية، لتبدأ بعدها تداعيات مباشرة على العمل والحياة الأسرية، إذ يُجبر رب العمل على تسريح العامل، ما يؤدي إلى فقدان الدخل، واضطراب الأسرة، وقد يصل الأمر إلى تفككها.

هذه الأزمة، كما يؤكد الحسني، ليست جديدة، فقد قامت الجمعية بمراسلة وزراء الداخلية السابقين والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلا أن الوضع ظل على حاله، مما يعكس تناقض فرنسا بين خطابها الحقوقي الدولي وواقع الممارسات الإدارية. الأعذار المقدمة من بعض المحافظات، مثل الأعطال الفنية أو التعطيلات الإجرائية، وُصفت بأنها محاولات لتهدئة المتضررين، في حين يرى الفاعل الحقوقي أنها أكاذيب تنم عن سياسة مقصودة لتعطيل مصالح المهاجرين النظاميين.

من منظور قانوني ودولي، هذه الإجراءات تنتهك ليس فقط المادة الثامنة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تحمي الحياة الأسرية، بل أيضًا المادة 16 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 9 من ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى القوانين الوطنية المتعلقة بالهجرة واللجوء، وهو ما يطرح سؤالاً محوريًا حول مدى التزام فرنسا بالقواعد الحقوقية التي تتبناها دوليًا.

من جهة تاريخية، تعكس الأزمة استمرارية صعوبات المهاجرين المغاربة في فرنسا، الذين رغم اندماجهم الاقتصادي والاجتماعي، يواجهون بيروقراطية شديدة وتأخيرات متكررة. هذه المعضلة تطرح كذلك تساؤلات أوسع حول مستقبل سياسة الهجرة الفرنسية، وقدرتها على التوفيق بين متطلبات الأمن الوطني وحقوق المهاجرين، خاصة في ظل أزمات اقتصادية واجتماعية متنامية وأجواء سياسية داخلية متوترة.

وفي خطوة تصعيدية، أعلن يوسف الحسني الإدريسي أن الجمعية ستلجأ إلى تنظيم وقفات احتجاجية في مختلف مناطق فرنسا، وربما أمام مجلس حقوق الإنسان الدولي، ما لم تتخذ السلطات خطوات ملموسة لوقف ما وصفه بـ”نزيف حقوق المهاجرين النظاميين”. وهو ما يضع فرنسا أمام اختبار حقيقي لمصداقيتها في الدفاع عن حقوق الإنسان، ليس على الورق، بل على أرض الواقع، مع التأكيد على أن حياة آلاف الأسر والمواطنين المغاربة المقيمين تعتمد على استجابة عاجلة وفعّالة.