في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط التعليمية والسياسية، أقدم وزير التربية الوطنية، محمد سعد برادة، على إعفاء 16 مديرًا إقليميًا من مهامهم، في سياق عملية تقييم شاملة لأداء مسؤولي التعليم على المستوى الإقليمي.
جاء هذا القرار بناءً على تقارير تفتيشية كشفت عن تفاوتات كبيرة في تنفيذ برامج التعليم، خاصة في مشروع “مدارس الريادة”، الذي يُعدّ أحد أبرز ركائز الإصلاح التربوي الذي أطلقه الوزير الأسبق شكيب بنموسى.
بين محاسبة المسؤولين أم تقديم قرابين؟
فجّر هذا القرار موجة من التساؤلات الحادة داخل البرلمان، حيث طالب رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية، بتفسير واضح ودقيق لأسباب الإعفاء، متسائلاً عمّا إذا كان القرار مرتبطاً بتصورات جديدة لإصلاح التعليم لا يتقاسمها المديرون الإقليميون المعفيون، أم أنه ناتج عن تقصير في الأداء المهني؟ وهل يُعدّ هؤلاء المديرون “قرابين” تم التضحية بهم لحماية المسؤولين الكبار الذين يتحكمون فعليًا في مفاصل الوزارة؟
وتساءل حموني بشكل أكثر تفصيلاً عمّا إذا كان الأمر يتعلق بـ”تصفية” تركة الوزير السابق، وما إذا كانت هذه الإعفاءات قد استندت إلى معايير شفافة في التقييم أم أنها مجرد قرارات تعسفية؟ وأشار إلى أن عدداً من المديرين الإقليميين المشمولين بالإعفاء يُشهد لهم بالكفاءة المهنية والحياد الإداري والنجاعة في الأداء، فضلاً عن تحقيقهم لإنجازات ملموسة وفق دلائل رقمية موثقة، مما يجعل القرار مثيراً للشكوك حول الدوافع الحقيقية وراءه.
أين المحاسبة في قطاع الرياضة؟
من جهة أخرى، يطرح هذا القرار تساؤلات أعمق حول مدى التزام الوزير بمبدأ الإنصاف والعدالة في المحاسبة. فإذا كانت الوزارة تتابع عن كثب أداء مسؤولي التعليم، فلماذا لا يتم فتح تحقيق مشابه في قطاع الرياضة، خاصة في ظل استمرار نفس الأسماء على رأس مديريات الرياضة لسنوات طويلة دون تقييم جاد لأدائها؟ لماذا لا يخضع القائمون على الرياضة لنفس التدقيق والمساءلة، خاصة وأن الرياضة قطاع حيوي يتلقى تمويلات ضخمة من المال العام؟
إن الحديث عن الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة لا يمكن أن يقتصر على قطاع دون آخر، إذ لا يمكن القبول بأن تكون هناك جهات داخل وزارة التربية الوطنية لا تمسها يد المحاسبة، بينما يتم التضحية بمسؤولين آخرين بسهولة، مما يرسّخ الانطباع بأن هناك ازدواجية في المعايير.
الحاجة إلى إصلاح أعمق
إن الإعفاءات التي طالت المديرين الإقليميين يجب أن تكون خطوة نحو إصلاح حقيقي وجذري، وليس مجرد إجراء ظرفي لإخماد الانتقادات أو تصفية حسابات داخلية. وعلى البرلمان والجهات الرقابية التدقيق في حيثيات هذا القرار للتأكد من مدى نزاهته، مع المطالبة بتوسيع دائرة المحاسبة لتشمل جميع القطاعات، بما فيها الرياضة، حتى لا يظل الإصلاح مقتصرًا على الحلقة الأضعف.
إن الرهان الحقيقي ليس فقط في تغيير الأشخاص، بل في إرساء آليات مؤسساتية تضمن الشفافية والمساءلة لجميع المسؤولين، بغض النظر عن مناصبهم أو نفوذهم. فهل يكون هذا القرار بداية لإصلاح أعمق، أم مجرد حركة شكلية لامتصاص الغضب العام؟