إلغاء شعيرة عيد الأضحى في المغرب: بين الضرورة الاقتصادية والمسؤولية السياسية

0
133

في قرار غير مسبوق منذ أكثر من عقدين، دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى الامتناع عن ذبح الأضاحي خلال عيد الأضحى لعام 2025، بسبب التراجع الحاد في أعداد الماشية جراء سنوات من الجفاف والتغيرات المناخية.

وقد أثار هذا القرار نقاشًا واسعًا بين مؤيديه باعتباره إجراءً واقعياً يراعي الظروف الاقتصادية، ومعارضيه الذين يرون فيه نتيجة مباشرة لسياسات زراعية فاشلة لم تحمِ الثروة الحيوانية الوطنية.

السياق العام للقرار

تؤكد الإحصائيات الرسمية أن القطيع الوطني انخفض بنسبة 38% مقارنة بآخر تعداد أجري قبل تسع سنوات، وهو ما جعل توفير الأضاحي بالكمية المطلوبة أمرًا بالغ الصعوبة. وقد تأثرت المملكة بموجات جفاف متتالية أدت إلى تراجع المساحات الرعوية وانخفاض إنتاج الأعلاف، مما تسبب في ارتفاع أسعار الماشية إلى مستويات غير مسبوقة، حيث بلغ سعر أنثى الغنم الحامل 10,000 درهم.

منذ نوفمبر 2024، دقت نقابات الفلاحين ناقوس الخطر محذرةً من “انتفاضة جوع” إن لم تتخذ الدولة تدابير فعالة لحماية القطيع ودعم الفلاحين الصغار، إلا أن هذه التحذيرات لم تُترجم إلى سياسات ملموسة.

إلغاء العيد: حل مؤقت أم معالجة سطحية؟

رغم أن قرار الملك يستند إلى مبررات واقعية، إلا أنه يطرح تساؤلات جوهرية حول البدائل والسياسات التي سبقت الوصول إلى هذه النقطة:

  • لماذا لم تتخذ الحكومة تدابير استباقية لحماية القطيع الوطني؟

  • هل كان من الممكن دعم الفلاحين بشكل أفضل لتفادي انهيار الإنتاج المحلي؟

  • كيف يؤثر القرار على الأسر الفقيرة التي تعتمد على هذه المناسبة لتأمين لحومها السنوية؟

الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للقرار

🔹 تأثيره على الفلاحين والمربين: يعتمد الآلاف من الكسابين على موسم عيد الأضحى لإنعاش تجارتهم، مما يجعل القرار بمثابة ضربة اقتصادية موجعة لهم.

🔹 انعكاساته على الأمن الغذائي: رغم أن الاستيراد قد يكون حلًا قصير المدى، إلا أنه لا يشكل بديلاً مستدامًا لحماية الإنتاج المحلي، بل قد يعمق التبعية للخارج.

🔹 البعد الديني والاجتماعي: يحتل عيد الأضحى مكانة خاصة لدى المغاربة الذين يطلقون عليه “العيد الكبير”، ويعتبرونه تقليدًا لا يمكن الاستغناء عنه. فكيف سيتعامل المجتمع مع هذا التغيير المفاجئ؟

المسؤولية والسياسات الفلاحية

يشير النقابيون والخبراء إلى أن غياب استراتيجيات فعالة لإنقاذ القطيع الوطني هو السبب الجوهري للأزمة الحالية. فقد فشلت وزارة الفلاحة في الحد من ذبح إناث المواشي، ولم توفر دعمًا كافيًا لصغار المربين، مما ساهم في تسارع انهيار الثروة الحيوانية.

إن معالجة الأزمة تتطلب إصلاحًا زراعيًا شاملًا، يشمل:

  • إعادة هيكلة الدعم الحكومي لصالح الفلاحين الصغار وليس لصالح كبار المستثمرين.

  • فرض قيود على ذبح الإناث لحماية التوازن الحيواني.

  • إنشاء صناديق تأمين ضد الجفاف لتعويض المتضررين.

  • إعادة النظر في سياسة الاستيراد التي تهمّش الإنتاج المحلي.

خاتمة: بين الضرورة والإصلاح العميق

قرار إلغاء عيد الأضحى لهذه السنة يعكس أزمة حقيقية لا يمكن التعامل معها كظرف استثنائي، بل كإنذار بضرورة إصلاح شامل للقطاع الفلاحي في المغرب. وبينما يتطلب الوضع الحالي إجراءات طارئة، فإن الحل الجذري يكمن في بناء سياسات مستدامة تحمي الفلاحين، وتعزز الأمن الغذائي، وتضمن عدم تكرار هذه الأزمة في المستقبل.