إمارة المؤمنين بين الأصالة والمعاصرة: قراءة ثانية في أطروحة عبد الله بوصوف

0
263

هل تمثل إمارة المؤمنين، كما يقدمها عبد الله بوصوف في كتابه الأخير «إمارة المؤمنين: المرجعية الروحية لوسطية الإسلام»، جسرًا حقيقيًا بين الأصالة والمعاصرة؟ أم أنها إطار يعاد من خلاله إنتاج الشرعية الدينية بوسائل جديدة تتلاءم مع تحديات الدولة الحديثة؟

من العرض إلى التفكيك

القراءة الأولى التي قدّمها الزميل ياسين حكان على موقع «العربية» عرّفتنا على الخطوط الكبرى للكتاب: من تأسيس إمارة المؤمنين على بيعة الرضوان، إلى دورها التاريخي في حماية التوازن بين الدولة والدين، وصولًا إلى إصلاحات الحقل الديني في المغرب ومفهوم «تمغربيت» كجسر بين الهوية والحداثة. غير أن القراءة الثانية لا تكتفي بالعرض، بل تحاول تفكيك المسار الفكري الذي يقترحه بوصوف، وطرح أسئلة حول خلفياته وحدوده.

بوصوف بين التاريخ والسوسيولوجيا

يظهر بوصوف في كتابه مؤرخًا وسوسيولوجيًا في آن واحد. فهو يستند إلى التاريخ لتأكيد الجذور العميقة لمؤسسة إمارة المؤمنين، لكنه يستعير أدوات السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا لتفسير التعايش بين الدين والدولة في السياق المغربي. هنا يبرز سؤال منهجي: هل الجمع بين الحقلين مكّن المؤلف من بناء أطروحة أكثر ثراءً، أم أن الاعتماد على الشرعية التاريخية جاء في بعض الأحيان ليغطي على التوترات التي يطرحها الحاضر؟

الأصالة والمعاصرة: براديغم بوصوف

في طرح بوصوف، إمارة المؤمنين ليست مجرد مؤسسة دينية تقليدية، بل هي رافعة لضمان التوازن بين الإسلام كدين للدولة المغربية، وقيم التحديث التي يفرضها الزمن المعاصر. لكن السؤال النقدي هنا:

  • هل الأمر يتعلق بقراءة معرفية مستقلة تعيد التفكير في علاقة الدولة بالدين؟

  • أم أننا أمام إعادة صياغة بلغة أكاديمية لخطاب الدولة الرسمي حول الخصوصية المغربية والتوفيق بين الشرعية الدينية والحداثة السياسية؟

نحو نموذج مغربي؟

من أكثر النقاط إثارة في الكتاب فكرة أن التجربة المغربية في تدبير الحقل الديني قد تشكّل نموذجًا قابلًا للتعميم، خاصة على الصعيد الإفريقي. ورغم وجاهة هذا الطرح من زاوية إبراز التميز المغربي في الوسطية والاعتدال، إلا أنه يفتح الباب أمام سؤال آخر: هل خصوصيات المجتمع المغربي – بما يحمله من تعددية تاريخية وثقافية – قابلة للنقل إلى سياقات مغايرة؟ أم أن قوة النموذج تكمن أساسًا في ارتباطه بمرجعية إمارة المؤمنين كخصوصية وطنية لا تستنسخ؟

أسئلة مفتوحة للنقاش

القراءة الثانية، إذن، لا تسعى إلى مصادرة أطروحة بوصوف، بل إلى توسيع أفق النقاش الذي يفتحه كتابه. فهل نجح في تقديم إمارة المؤمنين كمعمار سياسي–روحي يتجاوز الوظائف التقليدية ليواكب تحديات العصر؟ أم أن الأمر يتعلق في جوهره بمحاولة عقلنة الشرعية التاريخية بوسائل جديدة؟

في نهاية المطاف، يبقى النقاش الذي يثيره كتاب عبد الله بوصوف مهمًا في لحظة يزداد فيها الطلب على فهم العلاقة بين الدين والدولة، بين الأصالة والحداثة، وبين الهوية الوطنية والانفتاح على العالم. وهو نقاش لا ينتقص من مكانة إمارة المؤمنين، بل على العكس، يبرز عمقها كمؤسسة جامعة، ويؤكد ضرورتها كإطار يضمن الاستمرارية والاستقرار، ويتيح في الوقت نفسه التفكير في مستقبل أكثر توازنًا بين التراث والحداثة.

 

بين الوفرة والفراغ: قراءة في شهادة منير لكماني عن الإنسان المعاصر