في واحدة من أخطر حلقات الصراع الاستخباراتي بين إيران وإسرائيل، فجّر وزير الاستخبارات الإيراني، إسماعيل خطيب، قنبلة سياسية وأمنية من العيار الثقيل حين أعلن أن بلاده نجحت في الحصول على وثائق استراتيجية بالغة الحساسية من داخل إسرائيل، تشمل معلومات عن منشآت نووية، وتحالفات سياسية وعسكرية، وتفاصيل عن علاقات إسرائيل الدولية.
ليست مجرد عملية تجسس.. إنها “ضربة استخباراتية مركّبة”
هذا الإعلان الإيراني لا يندرج ضمن العمليات التقليدية في حرب التجسس، بل يمثّل ما يشبه “الضربة المركّبة” التي تمس جوهر الأمن الإسرائيلي. ليست اختراقًا سيبرانيًا عابرًا، بل عملية تُلمّح إلى تصدّع داخلي واسع النطاق في المنظومة الأمنية الإسرائيلية، قد يُعيد خلط أوراق ميزان الردع في المنطقة.
إيران، التي لم تكتفِ بالإعلان، لمّحت أيضًا إلى نيتها نشر بعض الوثائق لاحقًا، ما يعني أن هذه العملية قد تكون بداية لموجة “ابتزاز معلوماتي” على مستوى دولي.
من يقف وراء التسريب؟ وهل إسرائيل مخترقة من الداخل؟
السؤال المحوري الذي يُطرح الآن: هل يمكن تهريب مثل هذه الوثائق دون اختراق داخلي في العمق؟ وهل نحن أمام عملية تجنيد طويلة الأمد لعناصر في قلب المنظومة الأمنية الإسرائيلية؟
ما يعزز هذه الفرضية أن الإعلان الإيراني جاء بعد أيام فقط من توقيف شابين في إسرائيل (روي مزراحي وألموج أتياس) بتهمة التجسس لصالح طهران، وهما كانا يراقبان عن قرب تحركات وزير الدفاع الإسرائيلي. ووفق تقارير إيرانية، فإن عملية تهريب الوثائق تمت قبل توقيف الشابين، ما يعني أن إسرائيل اكتشفت الأمر بعد فوات الأوان.
“المعلومة كسلاح”: هل نحن أمام شكل جديد من الردع؟
الحرب الاستخباراتية لم تعد تدور حول من يملك القوة العسكرية، بل حول من يُتقن توظيف المعلومة، توقيتها، وأثرها السياسي. وإذا ثبتت صحة الوثائق – وهو ما لم تنفه تل أبيب حتى الآن – فإن ذلك يُمثل تحولًا نوعيًا في طبيعة الردع الإقليمي: من الصاروخ إلى السر، ومن المواجهة المباشرة إلى “حرب تعرية معلوماتية” تُحدث صدمة استراتيجية دون إطلاق رصاصة.
تقارير من Foreign Policy وHaaretz سبق أن نبّهت إلى هشاشة الأمن السيبراني الإسرائيلي رغم تفوقه التكنولوجي، لا سيما مع التوسع في الاعتماد على “المتعهدين الأمنيين” و”شركات التكنولوجيا الخاصة”، ما يجعل الثغرات أكثر احتمالاً وخطورة.
المدى الإقليمي للتسريب: هل المغرب في عين العاصفة؟
في هذا السياق الحساس، لا يمكن فصل المغرب عن المشهد. فالرباط، التي وقّعت اتفاقات تطبيع مع إسرائيل ضمن اتفاقيات أبراهام، تجد نفسها، ولو بشكل غير مباشر، داخل شبكة المصالح والتوترات بين تل أبيب وطهران.
هل من الممكن أن تحتوي الوثائق المسرّبة على تفاصيل تتعلق بالتعاون الأمني أو العسكري بين إسرائيل وبعض الدول العربية؟ وإذا كان الجواب نعم، فهل ستُوظف هذه المعطيات لاحقًا لإحراج أو حتى لابتزاز شركاء إسرائيل في المنطقة؟
من هنا، يبدو أن الدول التي اختارت الاصطفاف مع إسرائيل، باتت أمام تحدٍّ استخباراتي يتجاوز الحسابات التقليدية، ما قد يدفعها إلى إعادة تقييم درجة انكشافها الأمني، أو على الأقل تشديد مراقبتها الداخلية.
هل تُمهد إيران بهذه الوثائق لرد هجومي؟ أم لتفاوض نووي مختلف؟
تحليل هذه التطورات لا يمكن فصله عن الملف النووي الإيراني. إذ من غير المستبعد أن تستعمل طهران هذه الوثائق كورقة ضغط في المفاوضات الدولية، أو حتى كذريعة لشن ردود هجومية “مشروعة” ضد مصالح إسرائيلية في الخارج، مستفيدة من قوة المعلومة لتبرير خطواتها أمام الرأي العام الدولي.
وتأتي هذه الخطوة في ظل تسريبات سابقة كشفت أن إدارة ترامب أوقفت في اللحظة الأخيرة تنفيذ ضربة عسكرية إسرائيلية ضد منشآت نووية إيرانية، ما يعني أن الخيار العسكري لا يزال حاضرًا في خلفية المشهد، ولو مؤجلًا.
في الختام: من يربح حرب الأسرار؟ ومن يدفع الثمن؟
نحن أمام تحول نوعي في الحروب الحديثة. لم تعد المعركة تدور حول من يمتلك الطائرات الأكثر تطورًا أو الصواريخ الأبعد مدى، بل من يُحسن إدارة المعلومة وتوقيتها واستخدامها لخلخلة العدو من الداخل.
الخطورة أن هذه “الحرب الهادئة” تُنذر بتداعيات قد تطال ليس فقط إسرائيل، بل كامل شبكة تحالفاتها. وقد يصبح شركاؤها – ومنهم دول عربية – أهدافًا غير مباشرة لحرب لم يُطلق فيها رصاصة، بل تساقطت فيها أسرارٌ تمشي على حرير التهديد والابتزاز.