على غرار نابليون بونابرت، الذي دشن دكتاتوريته عبر إجراء استفتاءات شعبية مثيرة للجدل لتجاوز معارضيه، بدأ الرئيس التونسي قيس سعيد مرحلة جديدة لشرعنة انقلابه على الدستور التونسي، عبر إيداع نائب رئيس حركة النهضة، نور الدين البحيري، في إحدى الـ “معتقلات السرية” في البلاد، وخاصة في ظل حديث هيئة الدفاع عن البحيري عن وضعه في أحد “السجون السرية” التي كانت موجودة خلال حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، ويُفترض أنه تم إغلاقه منذ سنوات طويلة.
وخلال مؤتمر صحافي عقدته هيئة الدفاع عن البحيري، اليوم الإثنين في العاصمة، قال عضو الهيئة المحامي عبد الرزاق الكيلاني إن البحيري يُعتبر حاليا “في حالة اختفاء قسري وهي جريمة لا تسقط بالتقادم”، منتقدا الطريقة التي تم بها “اختطاف” البحيري والتي قال إنها شبيهة بعمل المافيا، حيث لم يتم احترام الحصانة التي يتمتع بها كنائب شعب ومحامي.
بدا واضحاً من خطاب قيس سعيد، في 13 ديسمبر/كانون الأول، أنه قرّر المضي وحيداً فيما يعتبره “مساراً إصلاحياً”، رافضاً العمل مع المعارضة، بعد أن دعا قبل أيام لـ”التعايش” و”قبول الآخر”، بل رفض العمل حتى مع الأحزاب والمنظمات المهنية ممن دعموه في قرارته التي اتخذها في 25 يوليو/تموز (حزب حركة الشعب، حزب التيار، اتحاد الشغل، اتحاد الأعراف…) واتَّهمهم بتلقي “تحويلات من الخارج” للتنديد بالتدابير التي اتخذها، ليقود سفينة البلاد منفرداً برأي واحد، وأجندة واحدة، وسياسة واحدة، في تناقض مع مبادئ الحكم الديمقراطي، الذي يفترض تعدد الآراء والتشارك في مناقشة القرارات المصيرية التي تحدد مصير الدول، مثل تغيير الدستور الذي يتطلب تعاقداً اجتماعياً حوله، لأنه من المفترض تمثيله لجميع فئات المجتمع، وحصوله على توافق اجتماعي وسياسي واسع حوله.
وقال عضو الهيئة سمير ديلو إن البحيري “موجود حاليا في قسم الإنعاش بمستشفى الحبيب بوقطفة في بنزرت (شمال) إلا أن هيئة الدفاع عنه لا تعرف المكان الذي تم جلبه منه. وهناك 3 أماكن تعتقد هيئة الدفاع أنها مكان احتجاز البحيري، قبل نقله للمستشفى، وهي إما ثكنة بمنزل جميل من ولاية بنزرت أو مركز تكوين فلاحي في منزل جميل أو منزل كان يُستعمل قبل الثورة (من قبل نظام بن علي) لاحتجاز المعارضين السياسيين الذين يتم تعذيبهم في أماكن غير رسمية”.
وكتب رفيق عبد السلام القيادي في حركة النهضة عبر صفحته الرسمية على الفايسبوك: “قيس سعيد يكثر من الحديث عن الغرف المظلمة، واليوم اكتشف العالم أنه هو صاحب الغرف المظلمة والدهاليز المخفية، كل قراراته تصدر عن عصابة ضيقة تشتغل في الغرف المظلمة، وتوج ذلك باختطاف المناضلين لإخفائهم في بيوت الأشباح المظلمة”.
بدوره ، كتب غازي الشواشي الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي “الحكومة التي تختطف مواطنيها وتنتهك حقوقهم الشرعية باستعمال نصوص قانونية بالية وغير دستورية وضعت في عهد الاستبداد لقمع المعارضين وترهيبهم مهما كانت المبررات أو الجرائم التي قد تنسب لهؤلاء، هي حكومة مارقة وخارجة عن الدستور والقانون وغير جديرة بالاحترام، وعلى الجميع التصدي لهذا الانحراف الخطير بالسلطة”.
وبعد مرور يومين على اختطاف البحيري، كتب القيادي بحركة النهضة رياض الشعيبي في تدوينة على صفحته في فيسبوك أن: ” تم نقل نور الدين البحيري إلى المستشفى. وهو في حالة خطرة جداً”. وأضاف: “البحيري يواجه الموت.. جريمة قتل متعمد.. ثلاثة أيام دون طعام.. ثلاثة أيام دون ماء.. ثلاثة أيام دون دواء.. قيس سعيّد يتحمّل المسؤولية كاملة عن حياة الأستاذ نور الدين البحيري”.
فيما وجه رئيس حركة النهضة، ورئيس البرلمان المجمد، راشد الغنوشي رسالة إلى رئيس الجمهورية، دعا فيها الأخير للكشف عن مصير البحيري والتعجيل بإطلاق سراحه.
وفي المقابل، وتحت الضغط الشديد، أصدرت وزارة الداخلية بلاغاً رسمياً أعلنت فيه: “وضع كل من البحيري وفتحي البلدي، المسؤول السابق بوزارة الداخلية الذي اختطف أيضاً في نفس اليوم مع البحيري، تحت الإقامة الجبرية، باعتباره إجراءً تحفظياً، أملته الضرورة في إطار حماية الأمن العام”، كما ورد في البلاغ.
فيما اعتبر محللون أن عدم تحديد المسؤولية القانونية للانتهاكات تعد من أكثر الوضعيات خطورة على الحريات الأساسية الفردية والعامة والسلم الأهلي. كما أن اختطاف المواطنين وإخفاءهم قسرياً، دون تهم معلنة، وبعيداً عن رقابة القضاء ودون ضمان الدفاع عنهم، خرق قانوني خطير، ينذر بدخول البلاد إلى منزلق خطير جداً.
ووفق بولبابة سالم، محلل سياسي، فإن “الإجراءات التي أعلنها الرئيس هي رسالة إلى الخارج أكثر منها للداخل، خاصة تحديد جدول زمني للإجراءات الاستثنائية، والإعلان عن الانتخابات التشريعية، بينما لم يعلن عن موعد لانتخابات رئاسية مبكرة”.
ورأى سالم أن “الرئيس ماضٍ في برنامجه، والانتخابات ستكون على المقاس، وسنرى هذه البدعة الجديدة الاستشارة الإلكترونية، والاستفتاء الإلكتروني، ومجموعة الخبراء الذين سيعيّنهم هو”.
طارق الكحلاوي، ساند سالم فيما ذهب إليه بالقول إن “المسألة مسألة موازين قوى، والطرف الرئيسي في موازين القوى الآن هو الطرف الخارجي”.
وتابع الكحلاوي للأناضول: “خارطة الطريق أُنجِزت من أجل تحسين العلاقة بالخارج، وسعيد استجاب للإصلاحات الدستورية التي جاءت في بيان الدول السبع”.
والجمعة، دعا سفراء مجموعة الدول السبع، ووفد الاتحاد الأوروبي في تونس، عبر بيان، إلى تحديد سقف زمني واضح يسمح بعودة “سريعة” لسير عمل مؤسسات ديمقراطية، بما فيها برلمان منتخب.
وتضم المجموعة: الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان.
ويقول معارضون إن سعيد وبإجراءاته الاستثنائية عزّز صلاحيات الرئاسة على حساب البرلمان والحكومة، ويسعى إلى تغيير نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي.
ومن جانبها اعتبرت حركة النهضة في بيان رسمي أن “سلطة الانقلاب بعد فشلها في إدارة شؤون الحكم وعجزها عن تحقيق وعودها الزائفة ذهبت إلى اعتماد سياسة التعمية عن هذا الفشل، والذي كانت آخر محطاته قانون المالية لسنة 2022 الذي أثقل كاهل المواطنين بالجباية والضرائب، بإثارة قضايا وهمية وإلهاء الرأي العام عبر تصفية الخصوم السياسيين”.
ولم تكن حادثة اختطاف البحيري الأولى، إذ إنه منذ إعلان إجراءات 25 يوليو/تموز الماضي، شهدت الساحة التونسية الكثير من الاعتقالات في صفوف النواب، المعارضين لإجراءات سعيد، وجرت عديد من المحاكمات العسكرية.
وكان من بينهم رئيس حركة أمل وعمل ونائبها بالبرلمان، ياسين العياري، الذي اختُطف من أمام منزله دون الاستظهار ببطاقة جلب واقتياده إلى وجهة غير معلومة، وأحيل إلى المحاكمة العسكرية.
كما شملت الإيقافات كلاً من المحامي المهدي زقروبة ونواب من كتلة ائتلاف الكرامة وهم كل من سيف الدين مخلوف ونضال سعودي ومحمد العفاس وعبد اللطيف العلوي.