ارتفاع الأسعار الجنوني يطال الحليب والخميرة أمام عجز الحكومة .. ما الحل؟

0
205

كلما تقدم المغرب خطوة في الإصلاح الماليّ يعود بعد ذلك خطوتين للوراء، والأمر يسري على باقي القطاعات. فقد طال التضخم المملكة وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية مستوى معيشة غالبية أكثر من 25 مليون مواطن مغربي بقسوة غير مسبوقة منذ عقود. هل تستطيع هذه الحكومة التي يقودها الملياردير “عزيز أخنوش” تجنب الأسوأ مع استمرار التوترات السياسية وغياب تعاون الأحزاب المشكل للائتلاف الوطني يخفف من حدة المشكلة؟

لكن واضح أن كل الحلول شبه مستحيلة على خزينة تعاني أصلا من عجز مالي مجمع يناهز الـ 10.5 مليار درهم، مقابل عجز بلغ معدله 12.6 مليار درهم قبل عام، فالدعم المباشر للسلع غير مقبول من قبل الصندوق، وغير متوفر في الخزينة أصلا. وزيادة الرواتب في ظل العجز المالي مستحيلة بالنسبة للحكومة، فقد بنيت الموازنة على فرضيات كانت زيادة الرواتب خارجها.

في الحقيقة لا يوجد أي سيناريو يفرض حلا واقعيا مقبولا ويقلل الخسائر على طرفي المعادلة- الحكومة والمستهلك- فتداعيات أي قرار وفق السيناريوهات السابقة سيكون له ثمن سلبي باهظ على الاقتصاد الوطنيّ، وسيزيد من تفاقم العجز والمديونية، ويرحّل مشاكل ماليّة للأجيال القادمة، وسيلقي بظلال قاتمة على أي عمليات إصلاحية في الاقتصاد الوطنيّ، وسيساهم بعلاقة غير رشيدة مع المؤسسات والهيئات الاقتصاديّة العالمية والدول المانحة.

لذلك على الحكومة تثبيت أسعار الوقود خلال المراجعة المقبلة رغم ارتفاع أسعار البترول عالميا، حتى لا تصب المزيد من الزيت على نار الأسعار، وهو ما فعلته بعص الحكومات العربية، عندما قررت تثبيت أسعار الوقود خلال الشهر الحالى رغم ارتفاع الأسعار عالمية. وما فعلته الحكومة اليابانية التى قررت زيادة دعم البنزين من « 5 ين» لكل لتر إلى « 25 ين» خلال الشهر الحالى مع تقديم حزمة دعم لمشغلى سيارات الأجرة والمزارعين وفئات أخرى متضررة من الزيادة الأخيرة فى أسعار البترول.

كما يجب على الحكومة خفض أو تعليق ضريبة القيمة المضافة على عدد من السلع والخدمات وهو ما يعنى خفض تكلفة الحصول على تلك السلع والخدمة بنحو 14% دفعة واحدة مما يحد من تأثير ارتفاع السعر الأصلى للسلعة على المستهلكين.

هذه الخطوة اتخذتها عدة دول منها بلجيكا التى أعلنت خفض ضريبة القيمة المضافة على الكهرباء وصرف دعم نقدى بقيمة 100 يورو لكل أسرة بهدف «تعزيز للقدرة الشرائية» للمستهلكين على حد قول ألكسندر دى كرو رئيس الوزراء. الأمر ذاته فعلته تركيا التى قررت خفض ضريبة القيمة المضافة على السلع الغذائية من 8% إلى 1% فقط. كما خفضت بولندا الضريبة على المواد الغذائية والوقود والأسمدة.

هذه الإجراءات تحتاج بالطبع إلى مصادر حقيقية لتمويلها حتى لا تؤدى إلى زيادة العجز فى الميزانية، ويمكن توفير هذا التمويل المطلوب من خلال إعادة النظر فى أولويات الإنفاق العام بما يتناسب مع الظروف الاستثنائية التى يمر بها العالم كله على صعيد الأسعار.

من جهته، كشف رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، بوعزة الخراطي،اليوم الاثنين، بأن أسعار أصناف من الحليب، سواء المحلية منها أو المستوردة، شهدت ارتفاعات أخيراً، في أسوق الدولة، بنسب وصلت إلى أكثر من 10 درهماً. وأشار بأن حتى الخميرة المسكينة ارتفعه سعرها بالضعف حيث أصبح سعر الكيلوغرام الواحد يعادل 60 درهما.

ونقل موقع “لكم” عن الخراطي، أن الأسعار ستواصل الارتفاع خلال رمضان بسبب التهافت على السلع، والظروف الدولية والوطنية التي لا تبشر بأي تراجع للأسعار أو حتى استقرارها.

وقال مستهلكون لـ«المغرب الآن» إن «ذلك الارتفاع شكل عبئاً عليهم، لاسيما أنه تزامن مع سيدنا رمضان على الأبواب وما يصاحبه من زيادة في استهلاك الحليب عامة، خصوصاً بالنسبة للأسر كبيرة العدد»، مطالبين الجهات المعنية بإحكام الرقابة أكثر على الأسواق والتحقق من أسباب الارتفاع الذي اعتبروه غير مبرر. 

من جهتهما، أوضح مسؤولان في شركتين لمنتجات الحليب، أن «الارتفاع يرجع إلى زيادة أسعار المواد الخام المستوردة، وارتفاع أسعار الشحن»، مشيرين إلى أن شركات حرصت على رفع السعر بنسب قليلة، وتحمل بعض الزيادة حفاظاً على مستويات المبيعات.

واعتبر رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، أن “تسونامي ارتفاع الأسعار”، مستمر، مشيرا إلى أنه “عندما يرتفع ثمن المحروقات تتبعه باقي المواد”.

وأوضح المتحدث أن أزمة الأسعار اشتد خناقها على المواطن، في ظل تخلي الحكومة بشكل كامل على المواطن في هذه الظروف الحرجة، قائلا “لم نرى من حكومة أخنوش أي تدخل لحماية المواطن من لهيب الأسعار”.

وأضاف الخراطي، “أسعار المواد كلها ارتفعت والحكومة تقول إن هناك استقرارا في الأسعار، لكن ما يجب معرفته هو أنه هناك استقرار في الزيادات في مستواها العالي”، مطالبا باتخاذ تدابير مستعجلة، على الأقل بالنسبة للمواد الأساسية.

وطالب رئيس الجامعة الوطنية لحماية المستهلك، الحكومة بالعمل على تخفيض الضريبة على القيمة المضافة بـ 50 في المائة على المواد الأساسية، ومراجعة قانون المالية بحذف جميع الزيادات التي شملت بعض العائدات الضريبية، إلى جانب المطالبة باستعمال المادة 04 من القانون 12ـ104 المتعلق بالأسعار وحرية المنافسة، في تحديد سعر بعض المواد الأساسية على الأقل لمدة ستة أشهر.

ونهاية الأسبوع الماضي، احتج مئات المواطنين في عدة مدن مغربية رفضا لارتفاع الأسعار وموجة الغلاء التي تعرفها البلاد خلال الأشهر الأخيرة.

وأظهرت بيانات رسمية، خلال يناير الماضي، ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين في المغرب بنسبة 1.4 بالمئة في 2021، بضعف الزيادة المسجلة (0.7 بالمئة) في 2020.

وأرجعت المندوبية السامية للتخطيط، (الهيئة الرسمية المكلفة بالإحصاء)، في بيان، ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين، المُحدد الأساسي للتضخم، إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بـ0.8 بالمئة، والمواد غير الغذائية بـ1.8 بالمئة.

وترى الحكومة أن الأسعار شهدت ارتفاعا في مختلف دول العالم، وليس في المملكة لوحدها.

وفي لقاء صحفي عقب انعقاد مجلس الحكومة، قال الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، إن “الأسباب التي أدت إلى الارتفاع الحالي في الأسعار عند الاستهلاك في العالم وفي المغرب تظل مرتبطة بالظرفية الدولية الحالية”.

وأوضح لقجع، أن “ارتفاع أسعار عدد من مواد الاستهلاك يعزى، أساسا، إلى الانتعاش الاقتصادي غير المتوقع الذي يعرفه العالم، وإلى الارتفاع المطرد الذي عرفته أسعار الحبوب والمنتوجات البترولية في السوق الدولية”.

من جهته، يؤكد رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك (غير حكومية)، بوعزة الخراطي، أن “موضوع التهاب الأسعار ظاهرة عالمية رفعت الغبار عن هشاشة بعض الدول التي فقدت سياداتها في الأمن الغذائي، وبالتالي أصبحت عرضة للمضاربات التجارية بحثا عن المواد الأساسية”.

ويردف الخراطي في تصريح سابق، “رغم أن للمغرب سيادة فلاحية مكنته من تصدير عدة مواد فلاحية للعالم، بقي في حاجة ماسة إلى مواد أخرى مثل القمح والمواد الخام للزيت النباتي”.

واعتبر رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، أن “ارتفاع الأسعار في السوق الدولي أثر سلبا على القدرة الشرائية مما جعل بعض النقابات تنادي بالمقاطعة والخروج إلى الشارع”.

وطالبت الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، “الحكومة بالتدخل الفوري لحماية القدرة الشرائية بتخفيض الضريبة على القيمة المضافة ب50 في المئة، والتراجع على الضرائب الجديدة التي جرى إقرارها في ميزانية عام 2022″، يستطرد بوعزة خراطي.

ويرفض الأمين العام للمنظمة الديمقراطية للشغل (نقابة)، علي لطفي، “التبريرات التي قدمها وزير الميزانية وربطها بالعوامل التي أدت إلى الارتفاع الحالي في أسعار الطاقة والمحروقات عند الاستهلاك في العالم وللظرفية الحالية”.

كما طالب لطفي الحكومة “بالزيادة في الأجور وتحسين الوضع المعيشي للطبقة العاملة، وإعادة توزيع الدخل لتحقيق العدالة الاجتماعية، والإسراع بإخراج السجل الاجتماعي الموحد إلى حيز الوجود لرصد دقيق للفئات ذات الدخل المحدود والفقيرة، وحماية الفئات الأكثر تضررا، وتوفير الدعم العام لتعويض الفئات الهشة والفقيرة في إطار سياسة شاملة للتغطية الاجتماعية”.

كما دعا النقابي المغربي إلى “مراجعة القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة الدي فرضته حكومة بنكيران ضدا على الفرقاء الاجتماعيين وحقوق المستهلك وقدراته الشرائية، مما فتح الأبواب على مصراعيها، لارتفاع مهول وجنوني للأسعار والحاق أضرار كبيرة بالقدرة الشرائية للمواطنين”.