الاقتصاد المغربي عاجز عن خلق وظائف كافية، مما ينذر بتنامي مشاعر “الاستياء والإحباط”.
تعد البطالة في المغرب “قنبلة موقوتة” ومسألة “يجب أن تؤخذ على محمل الجد” إذ أنها تطاول أكثر من ستة من شبان المدن من أصل 10، في مشكلة تعتبر سبباً رئيسياً للقلق الاجتماعي الذي ينمي مشاعر الإحباط والاستياء في المملكة.
وبحسب أرقام هيئة الإحصاءات المغربية التي نشرت الأسبوع الماضي، فإن معدل البطالة في المملكة تخطى في نهاية 2023، 13.5 بالمئة على المستوى الوطني، وانتقلت من 15 في المائة إلى 17 في المائة بالوسط الحضري ومن5,2 في المائة إلى 7 في المائة بالوسط القروي.
وذكرت المندوبية السامية للتخطيط بالمملكة (الهيئة الرسمية المكلفة بالإحصاء) في بيان،أن البطالة تميزت خلال هذه الفترة بزيادة نسبة الأشخاص العاطلين حديثا، حيث ارتفعت نسبة الأشخاص العاطلين لمدة أقل من سنة من 31 في المائة إلى 33,7 في المائة، وبذلك انخفض متوسط مدة البطالة من 33 شهرا إلى 31 شهرا، موضحة أن نصف العاطلين (50,1 في المائة) أصبحوا في هذه الوضعية إثر الانتهاء من الدراسة أو التوقف عنها (38,1 في المائة) أو بلوغ سن العمل (12 في المائة).
“يبقى معدل البطالة مرتفعا بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، مسجلا 38,2 في المائة، والنساء 19,8 في المائة، والأشخاص الحاصلين على شهادة 19,8 في المائة”، أوردت الوثيقة.
على صعيد آخر، رصدت المندوبية تراجع معدل الشغل على المستوى الوطني من 39 في المائة إلى 37,4 في المائة، مشيرة إلى أنه عرف هذا المعدل انخفاضا بـ2,9 نقط بالوسط القروي (من 45,5 في المائة إلى 42,6 في المائة) وبـ0,9 نقط بالوسط الحضري (من 35,7 في المائة إلى 34,8 في المائة). كما كان الانخفاض في هذا المعدل أكثر حدة في صفوف الرجال (2,2 نقطة)، من 62,9 في المائة إلى 60,7 في المائة، مقارنة بانخفاضه في صفوف النساء (1,1 نقطة) من 15,9 في المائة إلى 14,8 في المائة.
زادوا الطين بلّة..حكومة الكفاءات جاؤوا لإنقاذ البلاد فأغرقوها..فقدان حوالي 300 ألف وظيفة بالمغرب خلال عام؟!
ورصدت المندوبية فقدان 297 ألف منصب شغل نتيجة فقدان 29.000 منصب بالوسط الحضري و269 ألفا بالوسط القروي، إذ فَقَدَ قطاع “الفلاحة والغابة والصيد” 297 ألف منصب شغل وقطاع “الخدمات” 15 ألف منصب وقطاع “البناء والأشغال العمومية” ألفيْ منصب، بينما أحدث قطاع الصناعة بما فيها الصناعة التقليدية 14 ألف منصب.
من جهة أخرى، أشارت المندوبية إلى ارتفاع حجم الشغل الناقص بـ94 ألف شخص، ليصل إلى 1.005.000 شخص. وهكذا، ارتفع معدل الشغل الناقص من 8,5 في المائة إلى 9,6 في المائة على المستوى الوطني، ومن 7,5 في المائة إلى 8,1 في المائة بالوسط الحضري ومن 9,9 في المائة إلى 12 في المائة بالوسط القروي.
ورصدت المندوبية أيضا تراجع معدل النشاط، ما بين الفصل الثالث من سنة 2022 والفصل نفسه من سنة 2023، من 44 في المائة إلى 43,2 في المائة على المستوى الوطني؛ فقد انخفض من 48,1 في المائة إلى 45,8 في المائة بالوسط القروي، واستقر في 41,9 في المائة بالوسط الحضري. كما انخفض هذا المعدل لدى كل من الرجال والنساء بمقدار 0,8 نقط، ليصل على التوالي إلى68,7 في المائة و18,4 في المائة.
زعيمة المعارضة “منيب”تطالب الاهتمام بمدن و قرى تضم مئات الأطفال اليتامى والمتخلى عنهم دون” أطفال زلزال الحوز”
وأفاد البيان بأن “سوق العمل المغربية فقدت حوالي 300 ألف فرصة عمل خلال الفصل الأخير من 2023”.
وتحذر وسائل الإعلام المحلية بانتظام من ارتفاع معدل البطالة خصوصا بين الشباب، الأمر الذي يشكل “قنبلة موقوتة” وينمي مشاعر “الاستياء والاحباط”.
وكان عهل البلاد الملك المفدى محمد السادس قد اعتبر في خطاب ألقاه في تشرين الأول/أكتوبر 2017 أن التقدم المحرز لا يعود بالفائدة على “الشباب الذين يمثلون أكثر من ثلث عدد سكان” المملكة.
وأضاف أن النموذج التنموي المغربي أصبح حاليا “غير قادر على الاستجابة” أصبح اليوم غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية”، داعيا الحكومة إلى “إعادة النظر فيه”.
ولفت إلى أن “التقدم الذي يعرفه المغرب لا يشمل مع الأسف كل المواطنين وخاصة شبابنا، الذي يمثل أكثر من ثلث السكان”، داعيا إلى بلورة “سياسة جديدة مندمجة للشباب”.
ودعا الملك إلى “تسمية الأمور بمسمياتها دون مجاملة أو تنميق واعتماد حلول مبتكرة وشجاعة، حتى وإن اقتضى الأمر الخروج عن الطرق المعتادة أو إحداث زلزال سياسي”.
شكل هذا الخطاب حدثا نادرا، وغير مسبوق في المنطقة العربية، لم يُسمع به من قبل بهذا القدر من الصراحة والوضوح، اعتراف بفشل الرهانات الاستراتيجية للدولة، ومن رئيسها. يحدث الآن في المغرب. لكنه خطاب لم يسقط فجأة من سماء، بل أتى في سياق تراكمات وتفاعلات اجتماعية وسياسية، على رأسها الحراكات الشعبية التي اندلعت في عدد من المدن والجهات، تتقدمها الانتفاضة الشعبية لحركة “20 فبراير 2011” التي انبثقت من عمق “الربيع العربي”. وبعد “حراك الحسيمة في الريف” بشمال البلاد (2016)، وما تلاه من حراكات مماثلة في جرادة وإيمزرون وأوطاط الحاج وزاكورة وغيرها من المدن، وإثر فشل المشروع الملكي الذي أطلق عليه اسم “الحسيمة منارة المتوسط”.
هي الخلاصة الصادمة، التي ظلت المعارضة المغربية في عهد الحسن الثاني، منذ الستينيات والسبعينيات، إلى حدود نهاية التسعينيات، تجهر بها، بل إن أعدادا من ضحايا سنوات الرصاص، ممن أزهقت أرواحهم تحت التعذيب، أو ممن تعرضوا للاختفاء القسري، أو اقتيدوا إلى المعتقلات السرية والسجون والمحاكمات، كانت تهمتهم هي التجرؤ على انتقاد “النموذج” الذي تدار به شؤون البلاد والعباد، وهو ما يُعنى به اليوم “النموذج التنموي”. ومن بين هؤلاء معتقلي “حراك الريف” الذين نالوا أحكاما قاسية بالسجن وصلت إلى 20 سنة لعدد منهم، وأيضا صحفيون وأصحاب أقلام حرة.
فجأة، فتحت الأعين المغمضة، واكتشف الكثيرون أن البلاد تسير بسرعتين متفاوتتين. الأولى يضاهي بها المغرب بلدانا متقدمة على مستوى قطاعات معينة، والثانية يتدنى فيها البلد بشكل كبير نحو قعر رتب البلدان المتخلفة، خصوصا ما يتعلق بمستوى عيش الفئات الأوسع من المواطنين في المجتمع، حيث تكمن الاختلالات التنموية وتنعدم العدالة الاجتماعية ولا يتحقق التوزيع العادل للثروة، بل يسود الفساد وتنتشر الرشوة وتتسع مساحات الظلم الاجتماعي.
في ديسمبر 2019، أعلن الملك عن إحداث اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي. وعين على رأسها السيد شكيب بنموسى (السفير الحالي للمغرب بفرنسا، ووزير الداخلية السابق).
فمن جملة الانتقادات الحادة التي وجهت إلى “اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد”، ما أدلى به المفكر الاقتصادي نجيب أقصبي، حول سماح المغرب لصندوق النقد الدولي بالمساهمة في عملية صياغة مشروع النموذج التنموي الجديد، إذ وصف أقصبي تصريح السيدة كريستينا جورجيفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، ب”القبلة المميتة” حسب التعبير الفرنسي الذائع.
وكانت المسؤولة الدولية أعلنت خلال ندوة صحفية بالرباط، صادفت تاريخ 20 فبراير 2020 (!)، استعداد صندوق النقد الدولي لمساعدة لجنة صياغة مشروع النموذج التنموي في تشكيل رؤيتها الجديدة للمغرب.
وأوضح نجيب أقصبي أن اختيارات صندوق النقد الدولي هي التي كانت وراء إفشال النموذج التنموي، وأن السماح بدخوله في عملية صياغة مشروع النموذج التنموي الجديد سيسمح بتكرار الفشل الذريع الذي أرسته سياساته بالبلاد منذ منذ 50 سنة”.
وأكد أقصبي، أن “المطلوب من لجنة بنموسى، إذا كانت ستقوم بعمل جدي، هو أن تتخلى كليا عن الاختيارات التي أرستها الدولة بإشراف الصندوق الدولي، مشددا على أن “مصدقية لجنة بنموسى رهين بعملها على القطع مع إملاءات الصندوق التي كانت أحد الأسباب الرئيسية في ضياع غايات التنمية المنشودة ببلادنا”.
وخلال مارس/ آذار الماضي، قرر البنك المركزي المغربي رفع سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس إلى 3 بالمئة صعودا من 2.5 بالمئة، في محاولة لوقف التضخم المرتفع الناجم عن تداعيات الحرب في أوكرانيا.
وقال البنك المركزي في بيان، إن القرار يأتي من أجل “تفادي حدوث صدمات تضخمية” موضحا أن “السياق العالمي الصعب، يتسم بعدم اليقين في ظل استمرار النزاع في أوكرانيا، والانقسام الجيوسياسي، وتشديد الشروط الائتمانية وتنامي المخاطر المرتبطة بالأزمات البنكية”.