ارتفعت أسعار المحروقات في المغرب بشكل كبير جدا، اليوم الثلاثاء، حيث بلغ ثمن اللتر الواحد من البنزين 1.4 دولار، في حين تجاوز سعر الديزل 1.4 دولار للتر، وهو ما أثّر على أسعار باقي المنتجات الأخرى.
وأثار هذا الوضع امتعاضا واسعا في صفوف المهنيين والمواطنين بصفة عامة، لا سيما أنه يتزامن مع زيادات في أسعار المواد الاستهلاكية،حيث تفاجئ المواطنين صباح الأحد 27 مارس الجاري، بزيادة سعر الكازوال وتعدى 14,36 درهما، فيما وصل سعر ثمن البنزين 14 درهم و16 سنتيما.
وفيما تعزو الحكومة المغربية الارتفاع الحالي في أسعار الوقود إلى الوضع الدولي والحرب في أوكرانيا، تطالب أحزاب وبعض النقابات الحكومة بتحمل مسؤوليتها، واتخاذ إجراءات ملموسة للحد من هذا الارتفاع الذي يكوي جيوب شريحة كبيرة من المغاربة.
بالنسبة لمغاربة التواصل الاجتماعي، فالوضع العام في العالم ليس مبرراً للحكومة كي تقف مكتوفة الأيدي أمام تهافت الشركات على الزيادة في الأسعار وتجاوز السقف المسموح به الذي يجب أن يكون علوه محدداً بناء على القدرة الشرائية للمواطن، وليس بناء على الظرفية العامة التي يجتازها العالم.
المغاربة يريدون من حكومتهم أن تحدّ من هجمة الشركات على جيوبهم، وأن تحافظ على مسافة الأمان بين الدخل والأسعار، وأن يكون هناك ردع لكل من تجاوز هذا الخط الأحمر الذي يمس مباشرة موائد المغاربة.
الحال نفسه شمل المحروقات التي صارت موضوعاً يومياً لدى المهنيين وغيرهم من مستعملي الطريق، لكن بحكم ارتباط المحروقات بمهن النقل، فإن المنتمين لهذه القطاعات أكثر تضرراً من غيرهم، وهو ما أكده فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، وشدد على أن الحكومة ستضرب على أيدي المضاربين، كما تحدث عن باقي الأسعار وارتفاعها. ولم يشمل استياء المغاربة الحكومة فقط، بل حتى جمعيات حماية المستهلك لم تصدر أي بيان في الفترة الأخيرة، والتزمت الصمت، وفق تتبعنا لمستجدات الموضوع، وهو التساؤل الذي طرحه المغاربة بكل بساطة، أين هي هذه الجمعيات؟
صحيح أن هذه الإطارات الجمعوية هي تطوعية وليس لها سوى سلطة التعبير عن رأيها، ولا تتجاوز صلاحياتها التنبيه وحتى الاحتجاج الذي يكفله القانون في إطاره الموضوعي، لكن يبقى صمتها بالنسبة للمواطنين غير مفهوم وغير مبرر أمام تزايد الهجوم على قدرتهم الشرائية.
وخلال الأسبوع الماضي، انخرطت الحكومة في حوار مع مهنيي النقل أفضى للوصول إلى قرار الدعم المالي المباشر، في هذه الظرفية المتسمة بتقلبات أسعار الوقود على المستوى الدولي.
وقد أكد الوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، أن الحكومة رصدت الاعتمادات الضرورية من أجل الحفاظ على استقرار أسعار التنقل اليومي للمواطنين سواء داخل المدن أو بينها.
وأضاف الوزير، خلال لقاء صحفي للإعلان عن مخرجات الحوار مع مهني النقل، أن الحكومة ستتدخل أيضا من أجل تخفيف عبء أسعار النقل، لا سيما نقل البضائع، من أجل الحفاظ على استقرار أسعار مختلف السلع في الأسواق المحلية.
من جهته، أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، أن الهدف من هذا الإجراء هو المحافظة على مستويات معقولة للأسعار ودعم القدرة الشرائية للمواطنين.
وأشار الوزير إلى أنه ستتم أجرأة هذا الدعم والإعلان عن تفاصيله في الأيام القليلة المقبلة، بعد استكمال تجميع المعطيات الخاصة بهذه الفئة من المهنيين.
وتندرج هذه الخطوة ضمن مجموعة من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، منذ شهر أكتوبر الماضي، قصد الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين والتخفيف من وقع أسعار المحروقات على المواد الاستهلاكية الأساسية.
وحسب شمس الدين عبداتي، الرئيس الشرفي لـ “المنتدى المغربي للمستهلك”، فإنه “في ظل الوضعية الحالية وما تعرفه السوق من ارتفاع في الأسعار يمكن تأسيسه في اتجاهين متناقضين”، ويفصل الفاعل الجمعوي في الاتجاه الأول الذي “هو ما تقدمه الحكومة والسلطات المعنية من تبريرات، ويسايرها الفاعل الاقتصادي بدواعي الأزمات الدولية والإقليمية الناجمة عن (كوفيد)، مثل أسعار النقل بفعل الأزمة أسعار المحروقات، وارتفاع أسعار المواد الأولية، الخ”.
أما الاتجاه الثاني، فهو كما يقول “التركيز أساساً على أن التجار هم المسؤولون عن ارتفاع الأسعار، وهذا أمر فيه حيف كبير للتجار وخاصة التاجر الصغير والمتوسط، لأنهم هم الحلقة الثالثة الأضعف في عملية التموين وحركة الأسعار”.
وبناء على ذلك، يتساءل المتحدث، “إذن، من المسؤول عن حركة ارتفاع الأسعار في السوق؟”، في اعتقاده “الشخصي أن المسؤولية الأولى تقع على عاتق الدولة بحكم القانون، بحيث هي المسؤولة عن وضع استراتيجية استهلاكية، تكون دائماً معززة بدراسات توقعية لاتجاهات الأسواق وحركة الأسعار الدولية والإقليمية، وإنجاز الدراسات المسبقة عن تحولات وتقلبات الأسعار، خاصة عند حدوث الأزمات”، وثانياً يضيف عبداتي، “كذلك هي مسؤولة عن عدم انضباط الأسواق وتنظيمها بشكل محكم وفعال، بحيث تكون هذه الأسواق مؤهلة لامتصاص الأزمات وتدبيرها وفقاً للقدرة الشرائية للمستهلك”.
أما المسؤول الثاني، حسب الرئيس الشرفي لـ”المنتدى المغربي للمستهلك”، عن ارتفاع الأسعار “فهي الشركات والموردون والموزعون؛ لأنهم أدرى الناس بتقلبات الأسواق وأسعار المواد (لأن التاجر والبائع في السوق يظل خاضعاً لهؤلاء وللأسعار المفروضة عليه من قبلهم). أما المسؤول الثالث عن ارتفاع الأسعار، يضيف عبداتي شمس الدين، “هم بعض التجار المضاربين والمحتكرين للسوق وللتموين غير المشروع، وهم في الغالب متواطئون مع بعض المنتجين، خاصة فيما يتعلق بالمواد المنتهية الصلاحية أو المهربة وإدخال تعديل على تاريخ ومصدر السلع بشكل غير مشروع، وانتهاز فرص الزيادة في الأرباح من خلال دعوى بأن السلع مفقودة في السوق، وذلك على حساب صحة وسلامة المستهلك وجيبه”.
ويختم عبداتي سلسلة المسؤولية عن ارتفاع الأسعار، بالمسؤول الرابع الذي “هو المستهلك نفسه، حيث لا يملك ثقافة الشراء العقلاني والموضوعي”، وهنا يوضح المتحدث، أن “اليوم أصبحت ثقافة الشراء العقلاني ذات أهمية قصوى في استقرار السعار وتوازن السوق، بحيث إن المستهلك لا يقتني سوى ما هو في حاجة إليه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالمستهلك المغربي مازال محتشماً في المطالبة بحقوقه، وقليل اللجوء إلى المنظمات المعنية بالدفاع عن حقوقه ومؤازرته في مطالبه الحقوقية رغم ضعف انخراطه في هذه المنظمات والجمعيات، كما أنه لا يستخدم سلاح المقاطعة للمنتجات التي يمكن الاستغناء عنها أو يحد من استهلاكها، فميزان توازن حركة السوق هو المستهلك، بحكم كونه محور هذه الحركة، وعليه أن يعي هذا الأمر”.
ويعتبر بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك (غير حكومية)، أن دعم مهنيي قطاع النقل يعد خطوة مهمة، “لكنها غير واضحة، ولا تدخل في إطار الدعم المباشر للمستهلك”.
وفي حديث مع وسائل إعلام عبر الخراطي، عن أمله في أن تتخذ الحكومة إجراءات ملموسة لدعم المستهلكين خلال الظرفية الاستثنائية التي تشهدها البلاد، في ظل تدهور القدرة الشرائية للأسر، جراء موجة الغلاء وعدم تحسين الأجور.
ودعا المتحدث، الحكومة إلى التدخل الفوري للحد من تأثير التهاب الأسعار على القدرة الشرائية للمواطنين، عبر تخفيض الضريبة على القيمة المضافة بـ50 في المئة، خصوصا على المواد الأساسية.
ويعتبر الخراطي أن المبادرة الملكية لمواجهة تداعيات أثار الجفاف في المناطق القروية والتي رصد لها غلاف مالي فاق مليار دولار، تبقى أهم إجراء اتخذ خلال الفترة الأخيرة.
وفي هذا الصدد، أبرز صاحب محل لبيع المواد الغذائية بالجملة والتقسيط بالعاصمة الاقتصادية للمملكة، أن “هناك ارتفاعا ملحوظا في أسعار المواد الأساسية، خصوصا المواد المعلبة والمصنعة؛ مثل الطماطم المعلبة والمربى والعسل”.
ويعزى السبب إلى “ارتفاع المواد الأولية والخام المستوردة من خارج المغرب والتي تستخدم في تلك الصناعات الغذائية”.
كما يقدر ذات المصدر “ارتفاع الأسعار في هذه المواد التي تحتاجها الأسر المغربية في شهر رمضان، بنسبة 15 حتى 20 في المئة”.
وتؤكد المندوبية السامية للتخطيط هذا الرأي، إذ تتوقع أن يستمر ارتفاع الأسعار في المغرب إلى مستويات أعلى من المتوسط المسجل خلال العقد الماضي.
وأوردت المندوبية، وهي مؤسسة رسمية مكلفة بإنتاج الإحصائيات، ضمن مذكرة حول تطور التضخم في المغرب، أن التأثيرات الخارجية والجفاف عاملان سيزيدان عدم اليقين بشأن التضخم على المستوى
ويعتمد السوق المغربي على الإنتاج المحلي، إلى جانب استيراد تمور من عدة دول عربية، وعلى رأسها الجزائر، إذ دأب المهنيون لسنوات استيراد معدل سنوي يبلغ 10 آلاف طن من الجارة الشرقية للمملكة.