تواصل ارتفاع أسعار الوقود في المغرب، ما خلف استياء لدى المواطنين ومهنيي النقل، خاصة بعد أن تجاوز سعر الغازوال ثمن البنزين (بلغ نحو 15 درهما أي ما يعادل دولارا ونصف تقريبا) وهو ما وُصف بـ”السابقة”.
وشهد المغرب، خلال المدة الأخيرة، ارتفاعات متكررة في أسعار الوقود، بالتزامن مع ارتفاع أسعار النفط، جراء الحرب الروسية الأوكرانية؛ ما دفع الحكومة إلى تقديم دعم لعدد من القطاعات؛ وفي مقدمتهم سائقو النقل لمواجهة ارتفاع الأسعار.
قفزت أسعار الوقود في المغرب إلى مستوى قياسي جديد؛ إذ فوجئ قائدو السيارات والمواطنون، اليوم الخميس، بارتفاع سعر الغازوال “الديزل” إلى نحو 14.50 درهمًا (1.50 دولارًا أميركيًا) للتر الواحد، في زيادة جديدة بنحو درهم عما كانت عليه مطلع الأسبوع الجاري.
وتجاوزت أسعار الديزل سعر البنزين في سابقة في تاريخ أسعار الوقود في المغرب، وسط توقعات بأن يكسر حاجز الـ15 درهمًا، خلال الأيام المقبلة، في حال عدم تدخل الحكومة، حسبما ذكرت وسائل إعلام محلية.
وسجل أعلى سعر للغازوال (الديزل) 14.56 درهمًا، بينما بلغ البنزين -في أعلى ارتفاع- نحو 14.44 درهمًا للتر.
ويعيش المواطنون المغاربة على وقع حالة من التذمُّر جراء هذه الأسعار غير المسبوقة، وانتشرت تدوينات غاضبة ورافضة لما وصلت إليه الأسعار مرفقة بصور جرى التقاطها في عدد من محطات التزود بالوقود معلنة عن الأثمنة الجديدة التي يبدو أنها لن تتوقف عن الارتفاع، فيما يتوقع مواطنون أنها ستتجاوز عتبة 15 درهماً للتر الواحد أو تزيد.
وطغى الموضوع على تفاعلات مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث أكد كثيرون أن الزيادات الأخيرة ستزيد من إنهاك القدرة الشرائية للمواطنين التي لا تزال تعاني من تداعيات جائحة كورونا.
وتعليقا على الموضوع، قال خالد البرحلي، مدير نشر جريدة “الصحيفة”، إن رئيس الحكومة عزيز أخنوش، “اختار القرار السهل”، فعِوض أن تتحمل الدولة الضغط المالي لارتفاع أسعار برميل النفط في السوق الدولية، من خلال خفض سلّة الضرائب التي تفرضها على المحروقات مثل التقليص أو حذف ضريبة استهلاك المحروقات التي تصل إلى 10 في المئة، أو تقليص هامش الحصة الضريبة التي تصل إلى 37 في المئة على الغازوال و47 على البنزين، اختارت الحل الذي يقلل من “إزعاجها” بالأصوات المرتفعة المتمثلة في نقابات مهنيي النقل الطرقي و”الصداع” الذي يمكن أن يخلفه إضرابهم عن نقل البضائع أو المواطنين عبر طرق الدولة، وفق تعبير البرحلي.
وكتب البرحلي على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” ما يلي: “تخلَّص” أخنوش من “المزعجين”، وترك ملايين المغاربة الذين يملكون 4 ملايين عربة تحت رحمة أسعار الوقود التي وصلت إلى 14 درهماً للتر الواحد، في محطات التوزيع التي يملك رئيس الحكومة أزيد من 70 في المئة منها، وهو مرتاح البال قرير العين بأن المغاربة سيصبرون على هذا البلاء وسيملئون خزانات وقود سيارتهم وهم يلعنون الأسعار في قرارة أنفسهم أو في مواقع التواصل الاجتماعي، لكن ليس في الشوارع أو في الطرقات كما فعل أرباب مهنيي النقل!”.
بدوره، قال عز الدين أقصبي، الخبير الاقتصادي، إن “ما تعرفه السوق الوطنية في ما يتعلق بارتفاع أثمان المحروقات لا يرتبط فقط بالسوق، بل أيضا بما تعرفه البلاد من مشاكل جذرية كان يجب أن تتم معالجتها ولم يتم الأمر، من قبيل انتشار الريع وعدم التعامل بجدية وشفافية مع القطاع”.
وتابع الخبير الاقتصادي المغربي ،أقصبي تصريحه لـ “هسبريس” ، أن “المشكل يطرح على مستويات مختلفة ولا يعني المحروقات لوحدها، بل أيضا المواد الأساسية، كالمواد الغذائية التي تتأثر بهذا الارتفاع؛ ناهيك عن تأثير الجائحة، إذ إن قطاعات مختلفة عانت ومازالت تعاني بسبب التعامل معها”.
وأشار أقصبي إلى أن “مشكل أسعار المحروقات مرتبط من جهة بالأزمة الدولية”، مؤكدا أن “المغرب ليست له قدرة عليها، إلا أنه كان بإمكانه تقليل الضرر، إذ كان يجب أن تتم أمور في وقت سابق لكنها لم تحدث”، وفق تعبيره.
كما أكد الخبير الاقتصادي أن “سوق النفط والغاز لم يتم التعامل معها بشفافية ونجاعة لتسيير القطاع”، موضحا أن “من بين ما كان يجب أن يتم، لكن تم التغاضي عنه، ضرورة وضع مخزون إستراتيجي ومراجعة الأثمان”.
وأكد أقصبي أنه “لا بد من إصلاحات جذرية”، موضحا أنه “حتى تسقيف الأسعار لن ينفع في هذا الإطار، بل يجب اتخاذ إجراءات بشأن الشركات التي تعرف أرباحا مرتفعة”، ومفيدا بأن “الحديث هنا ليس عن محطات التزود بالوقود التي هي بدورها متضررة، بل عن الشركات الأساسية للتصدير والتوزيع التي استفادت بشكل واسع، ويجب أن تساهم اليوم في إيجاد الحلول”.
من جانبه، قال رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، بوعزة الخراطي، إن “المستهلك المغربي وصل إلى مستوى لا يطاق إثر انخفاض القدرة الشرائية بطريقة غير مسبوقة وارتفاع أسعار المحروقات”، مبرزا أن “الحكومة تخلت عن المستهلك وتركته يواجه غلاء الأسعار الخارجية والداخلية”.
وتابع الخراطي مبرزا في تصريح لـ”أصوات مغاربية”، أن “الزيادة في أسعار المحروقات لها تأثير على أسعار جميع المواد الاستهلاكية إضافة إلى انعكاسات سلبية طويلة المدى”، موضحا أن “الأجراء والطبقة المتوسطة يلجؤون إلى القروض لسد حاجياتهم الشهرية”.
وختم المتحدث مؤكدا أنه “على الدولة أن ترفع الضرائب المطبقة على المحروقات أو تكتفي بنصفها مثل ما فعلته العديد من الدول كبولونيا وساحل العاج وفرنسا”، مبرزا بأن “ذلك سيكون إيجابيا على القدرة الشرائية للمواطنين”.
وكانت الزيادات التي تشهدها أسعار الوقود قد دفعت مهنيي النقل الطرقي بالمغرب إلى خوض إضراب، في وقت سابق، قبل أن يدخلوا في حوار مع الحكومة أفضى إلى إعلان الأخيرة تمكينهم من “دعم استثنائي”.
وفي السياق، قال الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، في ندوة أعقبت اجتماع المجلس الحكومي، أمس الخميس”، إن “الحكومة أعلنت بشكل سريع عن دعم مهنيي النقل بناء على قناعة ارتفاع أسعار المحروقات على المستوى لدولي وانعكاسه داخليا”.
وكانت الحكومة قد أطلقت منصة إلكترونية للتسجيل بغرض الاستفادة من الدعم المذكور والذي تتراوح قيمته بين 1000 و7000 درهم ( بين 100 و700 دولار تقريبا)، وأوضح بايتاس بهذا الخصوص أن هناك “إقبال كبير على منصة الدعم الذي سيصرف بداية من الأسبوع المقبل”.
وعرض الناطق باسم الحكومة أسعار المحروقات بتاريخ 30 مارس، موضحا أن سعر الغازوال وصل إلى 1200 دولار، تقريبا 11 ألف درهم مغربي دون حساب نقله وتخزينه وتحديد الربح والضرائب، وبالنسبة لسعر البنزين وصل إلى 1100 دولار للطن، مؤكدا أنه “ارتفاع على المستوى الدولي والحكومة تدخلت لمواكبة المهنيين”.