“استهداف الصحفيين في غزة.. حلمي الفقعاوي شهيد الحقيقة وإسرائيل تكشف عن وجهها الدموي في حرب الإعلام”

0
101

في بيان لا يخلو من الألم والغضب، نعت النقابة الوطنية للصحافة المغربية الزميل الشهيد حلمي الفقعاوي، الذي قضى حرقًا داخل خيمة الصحافيين في خان يونس، وهو يؤدي واجبه المهني وسط دمار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. لكن هل يكفي النعي والتنديد؟ أم أن المرحلة تفرض طرح أسئلة أعمق عن دور الصحافي، ومصيره، وأفق حمايته في زمن تُقصف فيه الكلمة كما تُقصف المدن؟

حلمي الفقعاوي… شهيد المهنة أم شاهد على جريمة متعمدة؟

استهداف خيمة الصحافيين – والتي تؤكد النقابة أن إحداثياتها كانت معلومة للجيش الإسرائيلي – يعيد إلى الواجهة السؤال المحوري: هل بات الصحافي هدفًا مباشرًا في الحروب الحديثة؟ وإذا كان القانون الدولي الإنساني يوجب على أطراف النزاع احترام سلامة الصحافيين، فهل نحن أمام خرق عرضي أم عملية محسوبة بإتقان لإخماد صوت الحقيقة؟

في السياق ذاته، لا يمكن إغفال البعد الرمزي الذي يشكله استهداف إعلاميين داخل أماكن يفترض أنها محمية. ألا يعكس هذا الحادث انهيارًا شبه تام للقواعد الأخلاقية للحرب، وتحول غزة إلى ساحة تجريب لسياسات الإبادة المعلوماتية، حيث يُستهدف الشهود قبل أن ينقلوا الرواية؟

تضامن بلا أفق؟ النقابة المغربية تطلق نداءً للحماية الدولية

النقابة الوطنية للصحافة المغربية، وفي لحظة تراجيدية تُغتال فيها الحقيقة في وضح النهار، جددت دعوتها لحماية دولية للصحافيين والصحافيات العاملين في قطاع غزة والضفة الغربية، منبهة إلى حجم الخطر الذي يهدد الجسم الإعلامي الفلسطيني والدولي على حد سواء. فهل تجد هذه الدعوة آذانًا صاغية؟ أم أن العالم سيستمر في تجاهل حرب تُشن ضد الكلمة والصورة كما تُشن ضد الأجساد والمدن؟

إنها ليست المرة الأولى التي يُقتل فيها صحافي فلسطيني أو أجنبي في غزة. لكنها من المرات القليلة التي يحدث فيها القتل داخل “منطقة معلومة” وموثقة، ما يجعل الأمر يدخل في باب الجرائم المتعمدة، بل في خانة “القتل مع سبق الإصرار”.

حين تصبح المعلومة هدفاً حربياً

ما يبعث على القلق هو ما أشار إليه البيان من أن خيمة الصحافيين في خان يونس لم تكن عشوائية أو متروكة للصدف، بل كان يفترض أن تكون تحت حماية أطراف النزاع كما ينص القانون الدولي الإنساني. هنا تظهر فجوة خطيرة: إذا لم تُحترم أماكن وجود الإعلاميين، فما الذي يضمن استمرار نقل الحقيقة؟ وإذا تواطأ المجتمع الدولي بالصمت، هل يصبح كل صحافي في مناطق النزاع مشروع شهيد؟

من خان يونس إلى جنين، ومن نابلس إلى القدس، يتعرض الصحافيون لمحاولات ترهيب منهجية، يتصدرها الاستهداف العسكري، لكن يُواكبها أيضًا تحريض سياسي وإعلامي ضدهم. فإلى متى سيستمر هذا الإخراس المنظم؟ وهل يستطيع الإعلام العالمي مواصلة عمله وهو يفتقد إلى أبسط شروط الأمان؟

من واجب التضامن إلى مطلب العدالة

في خطابها، تجاوزت النقابة المغربية مجرد التعبير عن الحزن، لتوجه تحية تضامن إلى نقابة الصحافيين الفلسطينيين، ولتؤكد أن استهداف أي صحافي، في أي مكان في العالم، هو استهداف لكل الصحافيين، ولكل حق الناس في الحصول على المعلومة من مصادر موثوقة. فهل يمكن أن يشكل هذا الموقف أرضية لتحرك دولي واسع يفرض حماية قانونية فعلية للصحافيين في مناطق النزاع؟ وهل يمكن مساءلة إسرائيل أمام الهيئات الدولية، أم أن الفيتو الأمريكي كفيل بإسقاط أي محاولة للمحاسبة؟

سياق أوسع: حين تتحول الصحافة إلى جبهة مقاومة

لا يمكن فهم ما يجري بمعزل عن السياق العام، حيث تشن إسرائيل حربًا إعلامية لا تقل ضراوة عن حربها الميدانية. في ظل الحصار المفروض على قطاع غزة، بات الصحافي الفلسطيني مصدرًا رئيسيًا للمعلومة والصورة والشهادة، ما يجعله مستهدفًا من جهة، وبطلاً صامدًا من جهة أخرى. ومن هنا تأتي أهمية الربط بين ما حدث للفقعاوي وبين الحرب على السردية الفلسطينية، وهي حرب تسعى لتجريد الفلسطينيين من القدرة على سرد معاناتهم.

خلاصة: الحقيقة لا تحترق… لكنها تُستهدف

استشهاد حلمي الفقعاوي ليس حادثًا معزولًا، بل حلقة في سلسلة ممنهجة من القتل بالصوت والصورة. الصحافة في غزة لم تعد فقط ناقلاً للخبر، بل صارت فعلاً نضاليًا في حد ذاته، وسط صمت دولي وتواطؤ سياسي.

في ظل هذا المشهد المأساوي، هل يُمكن أن تعيد جريمة قتل الفقعاوي فتح النقاش حول الحماية القانونية للإعلاميين؟ وهل نشهد ميلاد ميثاق دولي ملزم لحماية الصحافيين في الحروب؟ أم أن الجرائم ستُسجل ضد مجهول، كالعادة، فيما تدفن الحقيقة تحت الركام؟

أسئلة مؤلمة، لكنها ضرورية، في زمن تُستهدف فيه الكلمة لأنّها تملك قوة الرصاصة.