استيراد اللحوم الحمراء بعد الإجهاز على القطيع الوطني خلال الجائحة؟ حل مؤقت أم بداية أزمة دائمة؟

0
74

منذ سنوات، كان المغرب يتمتع بالاكتفاء الذاتي في مجال إنتاج اللحوم الحمراء، لكن خلال الآونة الأخيرة، وجد نفسه مضطراً لاستيراد اللحوم من الخارج.

كيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟ هذا السؤال يطرح العديد من القضايا المتعلقة بالسياسات الفلاحية، وبالأخص فشل مخطط المغرب الأخضر، والذي كان يهدف إلى تعزيز الإنتاج الزراعي المحلي وتقليص الاعتماد على الاستيراد.

للوصول إلى تحليل معمق لأزمة اللحوم الحمراء في المغرب واستيرادها، يجب النظر إلى مختلف العوامل التي أسهمت في هذا الوضع، بدءًا من السياسات الزراعية وصولاً إلى الأزمات الاقتصادية والبيئية التي اجتمعت لتضع المغرب في مواجهة واقع كان من المفترض تجنبه عبر استراتيجيات حكومية أفضل. في هذا السياق، يمكن تقسيم التحليل إلى محاور رئيسية:

1. فشل السياسات الفلاحية: مخطط المغرب الأخضر

عندما أطلق المغرب مخطط المغرب الأخضر في عام 2008، كان الهدف الأساسي هو تعزيز القطاع الزراعي وإحداث طفرة في الإنتاجية، بما في ذلك اللحوم الحمراء. كان من المفترض أن يكون المخطط دعامة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتقليص الاعتماد على الاستيراد. لكن مع مرور أكثر من 15 سنة على بدء هذا المخطط، نجد أن الأهداف الطموحة لم تتحقق بشكل فعّال. بل على العكس، عاد المغرب إلى الاستيراد بشكل كبير. فما السبب؟

1.1 التركيز على الاستثمار وليس العدالة المجالية

ركز المخطط بشكل كبير على الاستثمار في القطاع الزراعي دون إعطاء الاهتمام الكافي للعدالة المجالية. بينما استفادت بعض المناطق الغنية بالموارد من دعم الحكومة، تم تهميش مناطق أخرى، خاصة الجبلية مثل إقليم شفشاون الذي يضم قطيعاً كبيراً من الأبقار المنتجة للحليب.

كان بإمكان هذه المناطق المساهمة في سد النقص في الحليب واللحوم الحمراء لو حصلت على الدعم المناسب. هذا التهميش أثر سلبًا على الإنتاج الزراعي في تلك المناطق، وزاد من تفاقم مشكلة نقص اللحوم في الأسواق.

1.2 التلقيح الصناعي والفشل في التمكين

كان من بين الإجراءات التي جاءت بها السياسات الزراعية الترويج للتلقيح الصناعي للأبقار بهدف تحسين الإنتاجية. لكن، بدلاً من تحقيق النتائج المتوقعة، لم ينجح التلقيح الصناعي في المغرب لأسباب متعددة.

أهمها أن إدارة التلقيح أُعطيت للجمعيات المهنية التي لم تملك الكفاءة العلمية الكافية للتعامل مع هذا الملف، ولم يُشرك فيها الأطباء البيطريون بالشكل الكافي. ونتيجة لذلك، بلغت نسبة نجاح التلقيح الصناعي 30% فقط، بينما في دول أخرى تصل هذه النسبة إلى 70%.

هل كان يمكن تفادي ذلك؟ نعم، لو تم إشراك الخبراء بشكل أفضل، وجرى توجيه الدعم الحكومي نحو الابتكار والتدريب الفعّال.

1.3 غياب الحوكمة الرشيدة

الأزمة في المغرب ليست وليدة عوامل طبيعية أو اقتصادية فقط، بل هي أزمة حوكمة في المقام الأول. فإدارة ملف اللحوم الحمراء اعتمدت على ردود الأفعال بدلاً من التخطيط الاستباقي.

فعلى سبيل المثال، خلال جائحة كوفيد-19، كان من المفترض أن تتدخل الحكومة بشكل سريع لجدولة ديون المزارعين وتأخير الأداءات المستحقة عليهم. لكن بدلاً من ذلك، تُرك المزارعون يواجهون الأزمة بأنفسهم، مما اضطرهم إلى بيع أبقارهم بأسعار منخفضة، وبالتالي ضرب القطيع الوطني بشكل مباشر.

2. العوامل البيئية والاقتصادية: الجفاف وأزمة الأعلاف

إلى جانب الفشل الحكومي، لعبت العوامل البيئية والاقتصادية دورًا محوريًا في تفاقم أزمة اللحوم الحمراء. فسنوات الجفاف المتكررة تسببت في تدهور ظروف تربية المواشي، وارتفعت أسعار الأعلاف بشكل كبير، ما زاد من الأعباء على المربين.

2.1 تأثير الجفاف على الإنتاج المحلي

لطالما كان المغرب معرضًا لموجات الجفاف، لكن السنوات الأخيرة شهدت تدهورًا حادًا في الظروف البيئية، مما أثر بشكل مباشر على جودة وكمية المراعي. وبما أن المغرب يعتمد بشكل كبير على المراعي الطبيعية في تغذية مواشيه، فقد تسبب هذا الوضع في انخفاض عدد الأبقار المنتجة للحوم والألبان، وبالتالي قلة العرض في الأسواق.

كان من الضروري أن تكون هناك استراتيجيات احتياطية، مثل إنشاء بنوك للأعلاف أو تقديم دعم مباشر لصغار المربين لتأمين الأعلاف بأسعار مدعمة، لكن الحكومة تأخرت في تقديم هذه الحلول.

2.2 تأثير الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار الحبوب

كانت تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية إحدى الأسباب التي ساهمت في ارتفاع أسعار المواد الأولية على المستوى العالمي، ومنها الأعلاف والحبوب التي يعتمد عليها المربون المغاربة. ارتفاع أسعار العلف أدى إلى زيادة تكلفة تربية المواشي، ما دفع العديد من المزارعين إلى التخلي عن جزء من قطيعهم لعدم قدرتهم على تغطيه تكاليف الإنتاج.

هذه العوامل مجتمعة دفعت المغرب إلى البحث عن حلول سريعة من خلال استيراد اللحوم، بدلاً من دعم الإنتاج المحلي في الوقت المناسب.

3. استيراد اللحوم: هل هو حل أم أزمة مؤجلة؟

في مواجهة هذه الأزمات، لجأت الحكومة إلى استيراد اللحوم الحمراء من عدة دول، مثل البرازيل والأوروغواي، وهو إجراء استثنائي لتخفيف الضغط على السوق المحلية.

لكن السؤال المهم هنا: هل يمثل هذا حلاً طويل الأمد، أم أن المغرب سيجد نفسه مضطراً للاستمرار في الاستيراد لسنوات قادمة؟

3.1 خرق دورة الإنتاج المحلي

عندما نستورد اللحوم الجاهزة للذبح بدل العجول الصغيرة للتسمين، فإننا نخرق دورة الإنتاج المحلي. كان من المفترض أن يتم استيراد العجول للتسمين وتربيتها محليًا لضمان استمرارية الإنتاج الوطني، لكن مع جلب الأبقار المذبوحة، أصبح الإنتاج المحلي في موقف هش.

وبالتالي، قد يجد المغرب نفسه مستقبلاً أمام مشكلة أكبر، وهي عدم وجود قاعدة إنتاج محلية قادرة على تغطية احتياجات السوق، مما سيجعله أكثر اعتمادًا على الاستيراد.

3.2 تأثير الاستيراد على الفلاحين المحليين

استيراد اللحوم يؤثر بشكل مباشر على الفلاحين المحليين، خاصة الصغار والمتوسطين منهم. فبدلاً من تشجيع الإنتاج المحلي ومنح الفلاحين الدعم الكافي للتغلب على الأزمة، يعتمد المغرب على الأسواق الخارجية.

هذا التوجه قد يزيد من تهميش المنتجين المحليين ويفاقم مشاكلهم، حيث يضطرون لمواجهة المنافسة مع اللحوم المستوردة التي قد تكون أقل تكلفة بسبب دعم حكومات البلدان المصدرة.

4. نظرة مستقبلية: هل يمكن تفادي الأسوأ؟

ما هو السيناريو القادم؟ مع اقتراب مناسبات مثل عيد الأضحى، حيث يزداد الطلب على اللحوم، يبقى السؤال: هل سيتوفر ما يكفي من الأغنام لتلبية حاجيات المستهلكين المغاربة؟ تشير التقديرات إلى أن عدد الأغنام الموجهة للذبح لن يكون كافيًا لتلبية الطلب المحلي، ما يزيد المخاوف من ارتفاع الأسعار وتراجع المعروض.

هنا يجب على الحكومة التفكير في حلول جذرية ومستدامة، مثل:

  • إعادة هيكلة السياسات الزراعية لتكون أكثر عدالة وتغطية لكافة المناطق.

  • تشجيع الاستثمار في تحسين الإنتاج المحلي من خلال دعم مباشر للفلاحين الصغار وتقديم حلول مبتكرة لإنتاج اللحوم.

  • تبني استراتيجيات استباقية للتعامل مع الأزمات البيئية والاقتصادية بدلًا من اتخاذ إجراءات مؤقتة وردود فعل متأخرة.

ما يخفيه الوزير شكيب بنموسى وراء إخفاقات الرياضة المغربية

الخلاصة

الأزمة الحالية في قطاع اللحوم الحمراء في المغرب ليست نتيجة عامل واحد، بل هي نتيجة تراكمات لسياسات غير فعالة، وأزمات بيئية واقتصادية لم يتم التعامل معها بشكل استباقي. استيراد اللحوم قد يكون حلاً مؤقتًا، لكنه لن يحل المشكلة على المدى البعيد. إذا لم تتخذ الحكومة خطوات جريئة وعملية لدعم الإنتاج المحلي وتعزيز الحوكمة في القطاع الزراعي، قد نجد أنفسنا في مواجهة أزمات أشد تعقيدًا مستقبلاً.