في وقت تتسابق فيه الدول على إغلاق حدودها أمام نفايات الغير، يُصرّ المغرب على فتح أبوابه لاستيراد ما تسميه الحكومة “مواد قابلة للتدوير”، بينما يسميها جزء من الرأي العام “نفايات أجنبية”.
هذا الجدل عاد إلى الواجهة بعد عرض ليلى بنعلي، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، أمام لجنة البنيات الأساسية والطاقة، حيث كشفت أن المغرب منح بين سنتي 2021 و2025 136 رخصة لاستيراد النفايات غير الخطرة، 111 منها تخص الإطارات المطاطية المستعملة، والباقي موزع بين البلاستيك والنسيج.
بين التثمين الطاقي والاستفهام البيئي: من يربح؟
الوزيرة تحدثت عن مزايا هذه الواردات: تحويل النفايات إلى طاقة بديلة، تقليص الانبعاثات، خلق فرص عمل، وتوفير مواد أولية للصناعات التحويلية.
لكن في المقابل، هل تغطي هذه المكاسب البيئية والاقتصادية كلفة المخاطر المحتملة؟
وهل نحن بصدد سياسة بيئية طموحة، أم مجرد “حلول مؤقتة” تستورد مشاكل الدول الصناعية إلى التراب المغربي؟
دروس من تجارب عالمية… هل يستفيد المغرب منها؟
دول أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا بدأت منذ سنوات تقنين تصدير نفاياتها، في ظل ضغوط داخلية ومنظمات بيئية تطالب بإغلاق ثغرات تصدير “المخاطر المقنعة”.
في المقابل، استقبلت بلدان مثل تركيا وتونس ومصر كميات ضخمة من النفايات الأوروبية خلال العقد الأخير، قبل أن تندلع فضائح التلوث وتُفرض قيود مشددة.
هل يكرر المغرب هذا المسار، أم يتعلم من الأخطاء؟
الاقتصاد الدائري أم الحلقة المغلقة؟
الوزيرة استندت إلى دراسة لسنة 2020 أنجزت بتعاون مع تحالف تثمين النفايات (COVAD)، توقعت خلق 60 ألف منصب شغل بحلول 2030، وتقليص فاتورة الطاقة بـ20 دولاراً للطن.
لكن تجارب سابقة في المغرب، خصوصاً مع فشل مشاريع تدبير النفايات ببعض المدن، تُظهر أن الأرقام لا تصنع السياسة، وأن غياب الشفافية والمراقبة يُحوّل الطموح إلى خطر.
الرقابة والحوكمة: الحلقة الأضعف؟
رغم تطمينات الوزيرة بشأن صرامة الإجراءات القانونية، انطلاقاً من القانون 28.00، إلا أن سؤالاً محورياً يطرح نفسه:
من يراقب؟ وكيف يتم التأكد من خلوّ هذه المواد من السموم والمعادن الثقيلة؟
خاصة أن فضائح دولية عديدة أظهرت أن مستوردات النفايات “غير الخطرة” غالباً ما تكون حاملة لمواد مسرطنة أو ملوثة، بسبب ضعف الشفافية في المنشأ أو في النقل.
بين القانون والواقع: أين المجتمع المدني؟
الحديث عن تقديم وثائق تقنية وتحاليل مخبرية وبطاقات السلامة، ورخص مسبقة من الجهات المعنية، يبدو من الناحية القانونية دقيقاً ومنظماً.
لكن التجربة تُظهر أن غياب إشراك المجتمع المدني والساكنة المتضررة يجعل من هذه الإجراءات حبراً على ورق، خصوصاً عندما تقع مراكز المعالجة قرب أحياء سكنية أو أراضٍ زراعية.
سؤال السيادة البيئية في زمن التغير المناخي
تؤكد الحكومة أن استيراد هذه المواد “فرصة اقتصادية وتنموية”، لكن هل تقوّي هذه الاستراتيجية فعلاً مناعة المغرب البيئية أم تعمّق تبعيته للنفايات الأوروبية؟
وفي ظل الالتزامات الدولية للمغرب بموجب اتفاق باريس للمناخ، وخطة التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030، هل يتوافق هذا المسار مع الرؤية الوطنية المعلنة حول السيادة الطاقية والبيئية؟
خلاصة مفتوحة: بين الواقعية والطموح
ما قدمته الوزيرة ليلى بنعلي يكشف عن رغبة صريحة في تحويل التحديات البيئية إلى فرص اقتصادية. لكن هذه الرغبة لا تنجح إلا إذا اقترنت بثلاث شروط:
-
حكامة صارمة لا تهادن المصالح الصناعية.
-
شفافية كاملة في المعلومات والصفقات.
-
إشراك فعلي للباحثين والمجتمع المدني والمواطنين.