« الأحرار في قلب المشهد: ما وراء البلاغ الرسمي من رسائل ومؤشرات »

0
281

أمسية الخميس 28 غشت 2025 شهدت انعقاد اجتماع المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار في الرباط، تحت رئاسة الأمين العام للحزب، عزيز أخنوش.

البلاغ الصحفي الذي صدر عقب الاجتماع قد يبدو للوهلة الأولى مجرد بيان رسمي روتيني، لكن قراءة دقيقة للمضامين تكشف طبقات متعددة من الرسائل الضمنية، واستراتيجية واضحة للتواصل مع الرأي العام، ومع الأوساط السياسية والاقتصادية في المغرب، بل وحتى على المستوى الدولي.

من البداية، يحرص البيان على وضع الحزب في موقع الولاء الوطني، من خلال تهنئة جلالة الملك بمناسبة عيد الشباب وذكرى ثورة الملك والشعب. هذه البداية ليست مصادفة، بل رسالة ضمنية تؤكد التلاحم بين الحزب والمؤسسة الملكية، وتعكس رغبة واضحة في التأكيد على الانسجام مع الرؤية الملكية. في السياق المغربي، مثل هذا التموقع ليس مجرد تعبير عن الاحترام، بل عن استراتيجية سياسية لتوطيد الشرعية الأخلاقية والسياسية للحزب في أوساط المواطنين والحكومة.

البلاغ لم يكتفِ بالتهنئة، بل تضمن استنكارًا واضحًا لـ”الحملات المغرضة التي تستهدف رموز سيادتنا وسمعة مؤسساتنا الوطنية”. هذا التعبير، الذي قد يبدو عامًا، يحمل دلالات مزدوجة.

أولًا، هو محاولة لرسم خطوط الدفاع عن الحزب في مواجهة أي انتقادات قد تُوجَّه له داخليًا أو خارجيًا.

ثانيًا، يرسل إشارة واضحة للأحزاب المعارضة والمجتمع المدني: أي محاولة للضغط على الحزب أو تشكيك في مواقفه الوطنية ستواجه موقفًا موحدًا ومتماسكًا، يعكس الولاء للمؤسسات.

البلاغ استثمر أيضًا في الحديث عن القضايا الدولية، لاسيما ملف الصحراء المغربية والمبادرات الإنسانية لجلالة الملك في غزة. إدراج هذه الجزئية ليس مجرد سرد لأحداث، بل هو تكريس لصورة الحزب كجهة فاعلة ومتناغمة مع السياسات الخارجية للمملكة.

مقارنة بالتجارب الدولية، نجد أن الأحزاب الحاكمة في دول متعددة غالبًا ما تستخدم مثل هذه الإشارات لتعزيز صورتها في الداخل والخارج؛ ففي مصر، على سبيل المثال، حرص الأحزاب الموالية على ربط برامجها السياسية بالمواقف الوطنية الكبرى لتأكيد ولائها للمؤسسة الرئاسية، بينما في تونس، تلعب الأحزاب الوطنية الكبرى دورًا مشابهًا في ترسيخ التلاحم مع الدولة في الأزمات الكبرى.

على المستوى الداخلي، أشار البلاغ إلى الجوانب التنظيمية للحزب ومقترحاته المتعلقة بالانتخابات التشريعية المقبلة. الملاحظة الجوهرية هنا هي محاولة تقديم الحزب كفاعل رئيسي في إنجاح الاستحقاقات، من خلال التأكيد على تعزيز الضمانات القانونية والمؤسساتية، وضمان المشاركة المكثفة للمواطنين. هذا التوجه يعكس وعي الحزب بأهمية الاستحقاقات المقبلة، وحرصه على أن يظهر كحارس للنزاهة والشفافية، في مواجهة أي اتهامات محتملة بضعف المشاركة أو التحايل على القوانين.

الحديث عن الحكومة والمذكرة التوجيهية لإعداد مشروع قانون المالية 2026 يُظهر حرص الحزب على ربط برامجه السياسية بالاستراتيجيات الملكية، خصوصًا فيما يتعلق بالعدالة المجالية وتقليص الفوارق الاجتماعية. هنا، يمكن فهم البلاغ كتحليل ضمني للسياسات الاقتصادية: الحزب يريد أن يبرز نفسه ليس فقط كفاعل سياسي، بل كضامن لتحقيق التنمية المستدامة، وهو ما يتماشى مع تجارب دولية مشابهة؛ ففي ألمانيا، على سبيل المثال، تستخدم الأحزاب الحاكمة موازنة الدولة كأداة لإظهار التزامها بتحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز الاقتصاد الوطني.

من زاوية اجتماعية واقتصادية، يبرز البلاغ موضوع دعم القطيع الوطني للماشية وإعادة تكوينه، كجزء من استراتيجية الحزب في تعزيز السيادة الغذائية. هذا التركيز على التفاصيل العملية يعكس فهمًا عميقًا لارتباط الاقتصاد الوطني بالسياسات المحلية، ويُظهر قدرة الحزب على مزج البعد الرمزي للسياسات الوطنية مع التطبيقات العملية اليومية التي تؤثر على حياة المواطنين.

أما فيما يتعلق بالقانون الجديد المتعلق بالعقوبات البديلة، فالإشارة إليه تُعد قراءة ضمنية لوعي الحزب بالقضايا الحقوقية والإنسانية، مع محاولة وضع نفسه في موقع داعم للإصلاحات القانونية التي تواكب التطورات العالمية. مقارنة بالممارسات الدولية، نجد أن الأحزاب الحاكمة في الدول الأوروبية غالبًا ما تبرز مثل هذه القوانين كإشارة على التزامها بحقوق الإنسان والعدالة الإصلاحية، ما يعزز صورتها لدى الناخبين والمجتمع الدولي.

البلاغ لم يغفل التحديات الاقتصادية والسياسية المرتبطة بالدخول السياسي الجديد، ولا سيما مشروع قانون المالية 2026، الذي يُقدم كأداة لتعزيز الدولة الاجتماعية وتحقيق الإقلاع الاقتصادي. هنا يكمن البُعد الاستراتيجي للبلاغ: الحزب يستخدم كل هذه الإشارات لتقديم نفسه كجهة تنفيذية قادرة على التفاعل مع التوجيهات الملكية، ومعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين بشكل متوازن.

من خلال قراءة البلاغ بالكامل، يمكن استخلاص عدة رسائل ضمنية:

  1. التموضع السياسي: تأكيد الولاء للمؤسسة الملكية، وهو أسلوب لتعزيز الشرعية السياسية داخليًا وخارجيًا.

  2. الدفاع عن الحزب: توجيه رسالة ضمنية للمعارضين والخصوم السياسيين بأن أي محاولة للإساءة للحزب ستواجه موقفًا موحدًا.

  3. التواصل مع الرأي العام: تقديم الحزب كفاعل مسؤول، قادر على إدارة القضايا الوطنية، من التنمية الاقتصادية والاجتماعية إلى السياسات الحقوقية والإنسانية.

  4. التركيز على الإنجاز: إبراز مشاريع ملموسة، مثل إعادة تكوين القطيع الوطني والقانون المتعلق بالعقوبات البديلة، لتأكيد مصداقية الحزب على المستوى العملي.

في سياق المقارنة الدولية، يبدو أن استراتيجيات حزب التجمع الوطني للأحرار تشبه تلك التي تتبعها أحزاب حاكمة في دول تمتلك أنظمة ملكية أو رئاسية قوية، حيث يتم استخدام البلاغات الرسمية كأداة لإعادة ترتيب الأولويات، وتهيئة الرأي العام، وربط الأداء الحزبي بالسياسات الوطنية الكبرى، بما يعزز صورة الحزب كجهة قادرة على تلبية متطلبات الدولة والمجتمع.

وفي النهاية، يمكن القول إن البلاغ الصادر عن حزب التجمع الوطني للأحرار لم يكن مجرد نص روتيني، بل هو وثيقة استراتيجية متعددة الأبعاد، تمزج بين الخطاب السياسي الداخلي، والمواقف الوطنية العليا، والتواصل مع الرأي العام، مع إشارات دقيقة إلى الإنجازات والبرامج المستقبلية. القراءات الضمنية التي يحملها البلاغ تعكس وعيًا استراتيجيًا بالبيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمغرب، وتُظهر كيفية استخدام البلاغات الحزبية كأداة للتحليل المعمق والتوجيه السياسي، دون الخروج عن قواعد أخلاقيات المهنة الصحفية.