الإصلاح على المقاس؟… حين تتقاطع قوانين “الإضراب” و”التصوير” في تقييد الصوت الجماعي والبصري

0
173

في ظل تسارع المبادرات التشريعية بالمغرب خلال السنوات الأخيرة، برز إلى السطح مشروعان قانونيان يثيران اهتمامًا وجدلًا متزايدًا داخل الأوساط الحقوقية والقانونية والنقابية. يتعلق الأول بمشروع قانون تنظيم الحق في الإضراب، والثاني بمشروع قانون ينظم التصوير داخل المحاكمات.

كلا المشروعين يحمل عنوان “التنظيم” و”التقنين”، لكن قراءتهما المتأنية في السياق السياسي والاجتماعي المغربي الراهن، تطرح تساؤلات عميقة حول النوايا الحقيقية، وحدود التوازن بين حماية المؤسسات وضمان الحريات الدستورية.

هذا المقال التحليلي يهدف إلى تفكيك مضامين هذين النصين القانونيين، واستشراف دلالاتهما المشتركة، ضمن رؤية نقدية تتوخى إشراك الرأي العام المغربي في تقييم خيارات تشريعية قد تؤثر مباشرة على فضاء الحريات، وعلى علاقة المواطن بالدولة والمؤسسات.

قانون الإضراب: تقنين أم تأديب؟

منذ سنوات، والنقاش حول الحق في الإضراب يراوح مكانه، إلى أن خرج مشروع القانون في نسخة وُصفت بـ”المنحازة”. النقابات لم تُستشر فعليًا، والحكومة مرّرت مشروعًا يبدو أقرب إلى ضبط آلية الإضراب لا تأمين ممارسته.

النص يقيد شروط إعلان الإضراب، ويمنح صلاحيات واسعة للمشغّل لرفضه، ويتيح للمحاكم إصدار أحكام سريعة ضده. كما يفرض عقوبات على الداعين إليه، ويشترط مساطر معقدة تجعل من الحق الدستوري مجرد ورقة مؤجلة.

السؤال الجوهري: إذا كان الغرض هو حماية الاقتصاد الوطني، فهل يُبرّر ذلك تجريم الاحتجاج الجماعي؟ أليست هناك طرق أخرى للتوفيق بين حق الشغل وحق التعبير؟

قانون منع تصوير المحاكمات: حماية العدالة أم تكميم التوثيق؟

بالموازاة، يظهر مشروع قانون يمنع تصوير المحاكمات دون إذن، ويُدرجه ضمن الجرائم الجنائية. ظاهر النص يدّعي حماية هيبة القضاء وكرامة الأطراف، لكن واقع الممارسة الصحفية والحقوقية يطرح أسئلة خطيرة:
من سيملك حق السماح أو المنع؟ هل سيُستخدم هذا النص لمنع توثيق التجاوزات، أو كوسيلة لإغلاق الفضاء العمومي أكثر فأكثر؟

التصوير في المحاكم لم يكن أبدًا فوضويًا في المغرب، بل يتم في الغالب من خارج القاعة. فهل نحتاج قانونًا زجريًا، أم مرجعية تنظيمية تحترم حرية الإعلام والحق في المعلومة؟

ما الرابط بين القانونين؟

قد يبدو للوهلة الأولى أن لا علاقة بين قانون يضبط الإضراب وآخر يضبط التصوير، لكنهما يشتركان في منطق واحد: منطق الضبط والتحكّم والتضييق على الفضاء العمومي، سواءً بالصوت أو بالصورة.

  • الأول يستهدف الاحتجاج الجماعي في الشارع وأماكن العمل.

  • الثاني يستهدف الاحتجاج البصري والرمزي في قاعات المحاكم.
    وفي الحالتين، يكون الخيط الناظم: تحجيم التعبير العمومي.

الإصلاح أم الهيمنة؟

في كلي المشروعين، تُطرح مسألة التوقيت والسياق:

  • لماذا يُعرض قانون الإضراب في سياق تراجع الحوار الاجتماعي؟

  • ولماذا يُطرح قانون “منع التصوير” بعد سلسلة محاكمات أثارت الجدل الشعبي والحقوقي؟

هل نحن بصدد إصلاح تشريعي يوازن بين الحقوق والواجبات، أم أمام عملية تشريعية انتقائية تهدف لضبط الفضاء العمومي بوسائل قانونية زجرية؟

ما الذي نحتاجه فعلًا؟

نحتاج إلى إصلاحات حقيقية، قائمة على الحوار والمقاربة التشاركية. قوانين تُبنى مع النقابات والمجتمع المدني، لا ضدهما.
ونحتاج إلى تمييز بين التنظيم الضروري والتضييق المقصود. فليس كل “ضبط” إصلاحًا، ولا كل “زجر” حماية.

خاتمة مفتوحة: أسئلة المستقبل

  • هل تسير السلطة نحو ترسانة قوانين تقيّد الحقوق باسم النظام؟

  • أم نحن أمام سوء تدبير تشريعي يفتقد للرؤية المتوازنة؟

  • ومن يضمن ألّا تتحول هذه القوانين إلى سلاح في يد من يريد إسكات الصوت وتعتيم الصورة؟

إنه صراع على الفضاء العمومي، لا بين الدولة والمواطن فقط، بل بين من يريد بناء دولة القانون، ومن يريد قانون الدولة.