أدى مصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وعدد من القيادات في البلاد إثر تحطم طائرة إلى حالة من التكهنات بشأن الأسباب الحقيقية وراء الحادث.
وأوضحت صحيفة الواشنطن بوست الأميركية أنه من غير المرجح معرفة ما حدث بالضبط للمروحية التي كانت تقل رئيس البلاد وكبار المسؤولين على رأسهم وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان وسقطت لتودي بحياتهم جميعا.
فقد شُيّع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان وصحبهما أمس الثلاثاء إلى مثواهم الأخير، تاركين عدداً كبيراً من التساؤلات حول حادث المروحية الذي أودى بحياتهم. وكما جرت العادة في الظروف الغامضة، أنتجت هذه التساؤلات عدداً من “نظريات المؤامرة” التي انتشرت كالنار في الهشيم.
على رأس هذه التساؤلات يقول جيسون رضائيان، مراسل “واشنطن بوست” الأميركية: “دعونا نتناول المسألة الأساسية أولاً: كيف يمكن أن تختفي مروحية تنقل كبار المسؤولين في دولة كبيرة بكل بساطة داخل حدودها ولفترة طويلة؟”، ويجيب نفسه قائلاً: “الإجابة الأرجح هي أن السلطات الإيرانية عرفت فوراً بما حدث، وآثرت التمهل في الإعلان عن النبأ، إذ كان المسؤولون يفكرون في الطريقة الفضلى لإبلاغ الأمة والعالم”.
ورضائيان عليم ببواطن الأمور في إيران، وهو من شغل منصب مدير مكتب الصحيفة في طهران قبل إدانته بالتجسس في عام 2015. يتحدث هنا عن ثلاثٍ من نظريات المؤامرة السارية اليوم، وهي برأيه: “عملية اغتيال إسرائيلية، أو عملية اغتيال نتيجة صراع داخلي على السلطة، أو مصرع ناتج من تهافت إيراني كبير”، فيقول إن هذه كلها “إشارات بيّنة إلى نقاط ضعفٍ تفضل طهران إخفاءها عن العين، مهما كلف الثمن”.
في تعليق على مسألة الاغتيال الإسرائيلي، تنفي تل أبيب أي تورط لها في حادث تحطم المروحية الرئاسية الإيرانية، “لكنها نفت أيضاً تورطها في عمليات سابقة، مثل اغتيال مسؤولين إيرانيين كبار داخل البلاد وخارجها، بينهم ذلك الجنرال في دمشق والعالم النووي في شرق طهران”، كما يلاحظ رضائيان.
تردّ صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية الأمر كله إلى “دعابة” شاعت على منصات التواصل الاجتماعي بعد انتشار خبر فقدان مروحية رئيسي، “غذّت المزاعم بشأن تورط الموساد في هذه الحادثة”. تقول الدعابة إياها إن الطيار الذي كان يقود مروحية الرئيس الإيراني كان “عميلاً للموساد يُدعى إيلي كوبتر (Eli Kopter)”. فاسم إيلي متداول كثيراً في إسرائيل، ومع كلمة “كوبتر” يشكلان لفظاً مرادف “المروحية” باللغة الإنكليزية.
وتضيف الصحيفة أن هذه الدعابة شاعت بسرعة على شبكات التواصل الاجتماعي، “حتى وصلت إلى قناة ’حماس‘ الرسمية على تلغرام، فنقلتها على أنها حقيقة وواقع”.
إلا أن مجلة “إيكونوميست” البريطانية ترجّح ألا تذهب إسرائيل بعيداً في عملياتها الأمنية والاستخبارية ضد إيران، “فأن تصل إلى حد اغتيال رئيس دولة، فهذا عمل حربي لا لبس فيه، من شأنه أن يستدعي ردة فعل إيرانية شرسة، فحماقة فعلية أن يخاطر الإسرائيليون بقتل رئيسي”، الذي لا يملك السلطة الفعلية اليوم لاتخاذ قرارات سياسية مهمة في إيران.
في المقابل، لا يقلل رضائيان من شأن رئيسي في التدبير الإسرائيلي المفترض، فيقول إن الإيرانيين “لن يستبعدوا احتمال أن يكون مقتل رئيسهم رسالة مفادها أن تل أبيب قادرة على فعل ما يحلو لها حتى في داخل إيران”. فيقول إن مجتبى خامنئي، نجل المرشد الأعلى علي خامنئي، “صار الآن الشخص الأكثر احتمالاً لتولي السلطة الكاملة للدولة بعد وفاة والده، بعدما كان رئيسي الراحل هو المرشح الأوفر حظاً. وقد مر زمن كان فيه الولاء يعني شيئاً في النظام الثيوقراطي الإيراني، لكن كان هناك أيضاً تاريخ طويل من الوفيات العنيفة التي بقيت ألغازاً بلا حل، في تاريخ الجمهورية الإسلامية الممتد 45 عاماً”، مسترجعاً هنا وفاة الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني التي لم تتكشف أسرارها بعد.
ويُذكر هنا أن موقع “أنصاب نيوز” الإصلاحي الإيراني أعاد في بداية أيار/مايو الحالي نشر وقائع لقاء مع فرشاد طولابي، الحارس الشخصي السابق للرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، تحدث فيه عن أول محاولة لاغتيال رفسنجاني في عام 1997، العام الأخير من عهده. يقول طولابي: “وصلت إلى خرم آباد (مركز لرستان) لاغتيال رفسنجاني، لكن عندما رأيت أن هذا ليس من اجتهاد القيادة، تخليت عن هذا العمل”، مضيفاً: “كنت أريد أن أوجه رسالة بهذا الاغتيال إلى خاتمي وبعض الإصلاحيين”، لافتاً إلى أنه خطط حتى لاغتيال خاتمي نفسه.
الجواب الأكثر ترجيحاً يضيف رضائيان: “في نظر بعض الإيرانيين، هذا سيجعل مجتبى ورفاقه مشتبهاً بهم بشكل مباشر في حادثة المروحية الرئاسية. وبالنسبة إلى المطلعين على بواطن الأمور في طهران، هذه علامة أخرى على أن الاقتتال الداخلي المميت مرجح أن يزداد بعد وفاة خامنئي”.
على الجبهة الداخلية أيضاً، يذكّر رضائيان بأن وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف حمّل الولايات المتحدة مسؤولية ما حصل، “بسبب العقوبات الأميركية التي تمنع إيران من شراء قطع غيار لطائراتها”، كما يقول.
إلا أن ذلك يثير عنده سؤالاً مهماً: “إن كانت الظروف غادرةً إلى هذا الحد، فلماذا سُمح لرئيس البلاد وكبار أعضاء حكومته بالسفر جواً؟ ألم يكن لأيران أي أساليب أو معدات أكثر تقدماً لتتبع مكان وجود المروحية؟ وأخيراً، ما الذي يخفيه النظام في طهران أيضاً؟”.
كذلك، تسأل هولي داغرس، الزميلة في المجلس الأطلسي: “من قرر السماح لرئيس الجمهورية ووزير خارجيته بالسفر على متن مروحية قديمة بلا صيانة، في يوم ماطر، تصعب فيه الرؤية بسبب الضباب الكثيف؟”
وتضيف لموقع “إيران إنترناشونال” الإيراني المعارض: “كيف لنا أن نصدّق أن إيران عاجزةٌ عن تصنيع قطع غيار لمروحية الرئيس، لكنها قادرة على تصنيع المسيّرات والصواريخ، وعلى تخصيب اليورانيوم وتصنيع القنبلة النووية؟”.
وتختم داغرس أخيراً بالقول إن المؤسسة الدينية الحاكمة في إيران تبحث دائماً عن طريقة “لإلقاء اللوم في إخفاقاتها على الولايات المتحدة وإسرائيل، وما اتهام ظريف العقوبات الأميركية إلا مثال كلاسيكي آخر على سوء الإدارة في إيران”.
تعد إسرائيل هي الجاني المحتمل، ورغم نفي تل أبيب ذلك إلا أن هناك حالات سابقة قتلت فيها مسؤولين إيرانيين رئيسيين.
وبغض النظر عما إذا كانت إسرائيل قد لعبت دورا فإن الإيرانيين العاديين لن يستبعدوا احتمال أن تكون هذه رسالة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي مفادها أن القوات الإسرائيلية تبدو قادرة حقاً على القيام بكل ما يحلو لها داخل إيران.
تعد إيران واحدة من أخطر الأماكن في العالم للقيادة أو الطيران، إن عدد الوفيات الناجمة عن حوادث الطرق مذهل، حيث يبلغ متوسط الوفيات قرابة 17.000 شخص كل عام.
كما أن عدد حوادث تحطم الطائرات المميتة مرتفع بشكل غير طبيعي، ويمكن أن تعزى وفيات الرحلات الجوية إلى استخدام الطائرات القديمة التي تعرقل صيانتها بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران.
ومع ذلك، يتخذ الإيرانيون بما في ذلك كبار مسؤولي النظام، قرارات نقل محفوفة بالمخاطر طوال الوقت، يموت السياسيون أو يصابون في حوادث بشكل متكرر أكثر مما تعتقد.
هذا الأمر يطرح تساؤلات أخرى بشأن المغامرة برئيس البلاد وكبار أعضاء حكومته بالسفر جوا داخل البلاد في هذه الظروف من نقص معدات الصيانة واستخدام طرازات قديمة ووعورة التضاريس وسوء الأحوال الجوية، وعدم توفر وسائل أو معدات متقدمة لتتبع أماكن وجودهم.