الاتحاد الأوروبي: وزراء الطاقة يفشلون في الاتفاق على تحديد سقف لأسعار الغاز.. وبوتين يحذر من "تداعيات خطيرة"

0
397

تجمع كل التحليلات والتقارير من المؤسسات وشركات الاستشارات والبنوك الاستثمارية الكبرى على أن القارة الأوروبية مقبلة على أشهر في غاية الصعوبة وسط ارتفاع معدلات التضخم نتيجة زيادة أسعار الطاقة، الغاز الطبيعي والكهرباء تحديداً، وأسعار الغذاء. 

فشل وزراء الطاقة في دول الاتحاد الأوروبي، في الاتفاق على سقف لأسعار الغاز للحد من تداعيات أزمة الطاقة في القارة، في ظل خلافات عميقة بشأن مقترح اعتبره عدد منهم “مهزلة”، وسيبدأ تطبيق خطة تحديد سقف للأسعار في حال تبنيها اعتبارا من كانون الثاني/يناير من العام الوشيك. 

واشتكى العديد من الوزراء الذين عقدوا اجتماعا اليوم من أن اقتراح سقف أسعار الغاز المعروض على الطاولة، والذي كشفت عنه المفوضية الأوروبية قبل يومين فقط، كان مصمما بوضوح بحيث لا يتم استخدامه أبدا، وفق وكالة الأنباء الفرنسية.

واعترفت مفوضة الطاقة بالاتحاد الأوروبي، كادري سيمسون، بالانقسامات حول سقف الأسعار أثناء حضورها الاجتماع.

وقال وزير الصناعة التشيكي جوزيف سيكيلا، الذي تتولى بلاده الرئاسة الحالية للاتحاد الأوروبي، إن الوزراء سيجتمعون في النصف الأول من ديسمبر/كانون الأول المقبل في محاولة لحل الخلافات.

وأضاف أن الوزراء تمكّنوا من اتخاذ بعض “الإجراءات المهمة” الأخرى، بما في ذلك مشتريات الغاز المشتركة لتجنب المنافسة داخل الاتحاد الأوروبي التي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وتوفير التضامن في أوقات الحاجة، وتسريع الحصول على ترخيص مصادر الطاقة المتجددة.

وتحدد الخطة الحد الأقصى للسعر وقدره 275 يورو لكل ميغاوات في الساعة.

لكن هذا الحد يأتي مع العديد من الشروط المرفقة بحيث لم يكن ليتم تفعيله حتى في أغسطس/آب الماضي، عندما ارتفع سعر الغاز لفترة وجيزة فوق 300 يورو، مما أثار القلق في أوروبا التي اعتادت الأسعار التاريخية عند حوالي 10%، من ذلك.

وقال وزير الطاقة الإيطالي إن 15 دولة أوروبية تعارض وضع سقف لسعر الغاز الروسي.

وستبدأ خطة الحد الأقصى للسعر -إذا تم تبنيها- في يناير/كانون الثاني المقبل، وسيجري ذلك جنبا إلى جنب مع مبادرة طوعية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لخفض استخدام الغاز الطبيعي بنسبة 15%.

وينُظر إلى الحد الأقصى للسعر الذي اقترحته اللجنة بضغط أعضاء من بينهم ألمانيا وهولندا؛ على أنه محايد، إلا أن هناك دولا أخرى تخشى أن يؤدي وضع حد أقصى إلى تحويل إمدادات الغاز إلى أسواق أكثر ربحية، وخاصة آسيا.

ومع ذلك، تريد 15 دولة على الأقل من دول الاتحاد الأوروبي (أكثر من نصف الكتلة) شكلا من أشكال السقف العملي على أسعار الغاز بالجملة لمعالجة أزمة الإمدادات التي فرضتها الحرب الروسية في أوكرانيا.

وبينما لم يحظر الاتحاد الأوروبي الغاز الروسي، أوقف الكرملين تدفق الغاز ردا على العقوبات التي فرضتها بروكسل في أعقاب حرب موسكو على أوكرانيا.

وقبل الحرب، كانت إمدادات الغاز الروسي تمثل أكثر من 40%، من إجمالي الغاز المستورد إلى الاتحاد الأوروبي، وكانت ألمانيا (القوة التصديرية) في أمس الحاجة إليه بشكل خاص. وقد انخفض الإمدادات الآن إلى أقل من 10%.

وحتى إذا تسنى لأوروبا توفير الدفء والكهرباء اللازمة هذا الشتاء فإنها ستواجه تحديا أكبر بكثير لإعادة ملء الخزانات المستنفدة للعام المقبل تحقيقا لهدف الاتحاد الأوروبي بخصوص الحفاظ على توفير مخزونات بنسبة 80 بالمئة من القدرة الاستيعابية بحلول نوفمبر تشرين الثاني هذا العام. 

قد تجاوزت هذا الهدف ويمثل التخزين البالغ نحو 90 حاليا حماية، لكن توقف إمدادات الغاز عبر شبكة نورد ستريم من روسيا إلى ألمانيا يترك فجوة رغم زيادة الإمدادات من أماكن أخرى. 

فقد خفضت روسيا تدريجيا تدفقات الغاز عبر نورد ستريم وأيضا عبر طرق أخرى بعد فرض عقوبات غربية عليها بسبب حرب أوكرانيا التي بدأت في فبراير شباط. وتوقف الغاز عبر نورد ستريم تماما في سبتمبر أيلول.

ويقدر محللون نقص الغاز بنحو 15 بالمئة عن متوسط الطلب الأوروبي في الشتاء، مما يعني أنه يتعين على القارة خفض الاستهلاك لتجاوز ذروة الطلب في موسم التدفئة. 

وقال جونيت كازوك أوغلو، مدير اقتصاديات الطاقة في شركة (إف جي إي) “سيظل الوضع هشا للغاية”.وأضاف أن “استهلاك الغاز المنزلي في ألمانيا قفز في نهاية سبتمبر إلى أعلى مستوى منذ مارس بسبب موجة البرد، وكان الطلب أعلى بنحو 14 بالمئة عن متوسط أربع سنوات 2018-2022. وهذا يشكل تهديدا”.وألمانيا، صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا وأحد أكبر مستوردي الغاز الروسي في القارة، هي الأكثر عرضة لاضطراب الإمدادات وتنشط بشكل خاص في وضع خطط لحماية صناعاتها ومستهلكيها.وتلاشى أي أمل في استئناف الشحن عبر شبكة نورد ستريم إلى ألمانيا الشهر الماضي بسبب ما يشتبه أنه تخريب.

وقالت الدول الأوروبية إنها تعمل على زيادة أمن البنية التحتية الحيوية بعد أن أضرت انفجارات بخطي نورد ستريم 1 وأيضا نورد ستريم 2، الذي لم يعمل بعد لكنه كان مليئا بالغاز استعدادا لتشغيله.

وربما يتفاقم الانقطاع الروسي لو نفذت موسكو تهديدها بفرض عقوبات على شركة الطاقة الأوكرانية نافتوجاز، بإغلاق أحد آخر خطوط الغاز الروسية العاملة إلى أوروبا.

* تنافس عالمي تعمل أوروبا على زيادة وارداتها من الغاز الطبيعي المسال وتوسيع البنية التحتية اللازمة، لكن يتعين عليها التنافس في السوق العالمية حيث يمكن أن تصبح المنافسة أكثر شراسة إذا زادت ظاهرة الطقس المعروفة باسم (النينا) وارتفع الطلب الآسيوي عليه.وسيؤدي ذلك إلى ارتفاع الأسعار. فنظرا لأن أوروبا تمكنت من تكوين مخزونات، انخفضت الأسعار من الذروة التي بلغتها في الوقت الذي غزت فيه روسيا أوكرانيا، غير أن سعر الجملة للغاز الهولندي، وهو المعيار الأوروبي، لا يزال أعلى بنحو 80 بالمئة مما كان عليه في مثل هذا الوقت العام الماضي.

وقال واين بريان، رئيس أبحاث الغاز الأوروبية في رفينيتيف، “ساعد الغاز الطبيعي المسال الإضافي وتراجع الطلب حتى الآن هذا العام“، لكنه أضاف “أوروبا بحاجة إلى المزيد من ذات العلاج”.

وحتى مع ذلك، فمن غير المرجح أن يعوض ذلك الغاز الروسي.

وتقدر رفينيتيف أن شمال غرب أوروبا، بما في ذلك ألمانيا، قد يستورد 18 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال هذا الشتاء، مما يرفع الواردات إلى 52 مليار متر مكعب هذا العام، أي بزيادة 5.5 بالمئة عن العام الماضي.كما زادت إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب من أذربيجان وشمال أفريقيا والنرويج، لكنها لا تزال أقل بكثير من تلك التي كان مصدر الغاز الرئيسي السابق يوفرها.

وقال بنك أوف أمريكا إن الطاقة الإجمالية لخطي أنابيب نورد ستريم معا تبلغ 110 مليارات متر مكعب سنويا، وهي ستغطي أكثر من 30 بالمئة من إجمالي الطلب الأوروبي على الغاز إذا عملت بكامل طاقتها.

ويقول محللو برنشتاين إن روسيا تقدم في الوقت الحالي 86 مليون متر مكعب يوميا إلى شمال غرب أوروبا عبر بولندا وأوكرانيا، مقارنة بمتوسط 360 مليون متر مكعب يوميا العام الماضي، بانخفاض 76 بالمئة.

وتختلف تقديرات المحللين. فلو استمرت الإمدادات عند المستويات الحالية، ستواجه أوروبا نقصا قدره 155 مليون متر مكعب في اليوم، بحسب أرقام برنشتاين، بناء على متوسط الطلب اليومي في شمال غرب أوروبا من سبتمبر أيلول إلى مارس آذار بين 2017 و2021 البالغ 930 مليون متر مكعب. ووافقت دول الاتحاد الأوروبي على خفض الطلب بنسبة تصل إلى 15 بالمئة أو ما مجموعه 50 مليار متر مكعب هذا الشتاء.

وإذا حققوا ذلك، يجب أن تنتهي مستويات التخزين في فصل الشتاء عند حوالي 55 مليار متر مكعب. وستكون إعادة ملئها في الوقت المناسب لفصل الشتاء التالي أمرا معقدا بسبب غياب الإمدادات الروسية التي كانت أوروبا لا تزال تتلقاها في وقت سابق من هذا العام.وهناك خطر يتمثل في أنه مع تضاؤل إمدادات الطاقة فإن الطلب عليها لن ينخفض بدرجة كافية.

وانخفض الطلب الأوروبي على الغاز الصناعي حيث أدت أسعار الغاز المرتفعة إلى توقف إنتاج المصانع في القطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الألومنيوم والصلب والأمونيا.