في مغرب اليوم، لم تعد القدرة على الادخار مجرد سلوك اقتصادي، بل تحوّلت إلى مؤشر على الفجوة العميقة بين التطلعات والواقع المعيشي.
فقد كشفت المندوبية السامية للتخطيط، في مذكرة حديثة حول بحث الظرفية لدى الأسر، أن أقل من 9% من الأسر المغربية تعتقد أنها قادرة على الادخار خلال الـ12 شهرا المقبلة. رقم يبدو صادماً في بلد تتزايد فيه الضغوط المعيشية وتتقلص فيه هوامش الأمان الاجتماعي.
بحسب المذكرة الرسمية، بلغ رصيد مؤشر قدرة الأسر على الادخار مستوى سلبياً قدره -82,6 نقطة، في تراجع مقارنة مع الفصل السابق (-77,6 نقطة) ومع نفس الفترة من السنة الماضية (-80,4). هذا التدهور لا يعكس فقط هشاشة مالية، بل يُشير إلى تآكل الثقة في الاستقرار الاقتصادي وغياب الأفق لدى شرائح واسعة من المواطنين.
ارتفاع أسعار الغذاء… وتوقعات أكثر تشاؤماً
لم يكن الادخار سوى جانب من الصورة القاتمة. فقد أكدت المندوبية أن 94,2% من الأسر لاحظت ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية خلال العام الماضي، بينما اعتبرت 78,9% من العائلات أن الأسعار ستستمر في الارتفاع في المستقبل القريب. هذا التشاؤم المجتمعي، المدعوم بالإحصاءات، يُفرز بيئة مثقلة بانعدام اليقين ويعمق الإحساس بالإقصاء الاقتصادي، خصوصاً لدى الفئات المتوسطة والهشة.
“مليارات على الورق أم استثمار مستدام؟ قراءة تحليلية في تصريحات لقجع حول كلفة كأس إفريقيا ومونديال 2030”
الأسباب المتداخلة: من التضخم إلى ضعف الحماية الاجتماعية
الخبراء الاقتصاديون يرجعون هذا الانهيار في مؤشرات الادخار إلى الارتفاع المستمر في كلفة المعيشة، وتباطؤ النمو، وغياب سياسات فعالة للدعم الاجتماعي المباشر. في دراسة صادرة عن البنك الدولي عام 2023، تبين أن الأسر المغربية تنفق أكثر من 40% من دخلها على الغذاء فقط، وهي نسبة تعد من بين الأعلى في شمال إفريقيا.
وإن كانت الحكومة قد أعلنت عن إجراءات لاحتواء الأسعار وتحسين القدرة الشرائية، فإن الانعكاسات الميدانية لا تزال محدودة، مما يثير تساؤلات حول نجاعة السياسات العمومية الموجهة للأسر ذات الدخل المحدود.
أين الخلل؟ وأين البديل؟
هل الخلل في البنية الاقتصادية أم في الخيارات الاجتماعية؟ لماذا لم تفلح آليات صندوق المقاصة، ولا برامج الدعم الاجتماعي، في توفير حد أدنى من الطمأنينة الاقتصادية؟ وهل من الممكن اليوم الحديث عن ادخار في ظل أجور لا تكفي لشهر واحد؟
أزمة الادخار ليست سوى قمة جبل الجليد في مشهد اجتماعي أكثر تعقيداً، قد يحتاج إلى مراجعة شاملة في منطق السياسات، وتغيير في ترتيب الأولويات، ووضع الإنسان في قلب المعادلة الاقتصادية.
خلاصة:
الادخار مؤشر نفسي بقدر ما هو اقتصادي. والمندوبية السامية، وهي هيئة رسمية، تقول لنا بوضوح: المغاربة قلقون من الغد، ولا يثقون في الاستقرار، ويتوجسون من انهيارات أكبر.
وفي انتظار أن تُفلح الإصلاحات الموعودة في تغيير هذا الاتجاه، يبقى السؤال مفتوحاً: كيف يمكن بناء الثقة حين يُصبح الادخار ترفاً؟