البرلمان يرفض الاستماع إلى رئيس مجلس المنافسة الذي كشف مكاسب غير مشروعة للوبيات المحروقات تُقتطع من جيوب المواطنين

0
413

لم يغب عن النشطاء والسياسيين و المراقبين في المغرب أن الحسم في ملف الشبهات، التي تدور حول لجوء شركات الوقود إلى ممارسات منافية لقانون حرية الأسعار والمنافسة،في تحقيق مكاسب غير مشروعة تُقتطع من جيوب المواطنين.

اعتبرت النائبة البرلمانية عن حزب “العدالة والتنمية” (معارضة) قرار مكتب مجلس النواب المتعلق برفضه برمجة طلب رئيس لجنة البنيات الأساسية لاستدعاء رئيس مجلس المنافسة، بغية مناقشة موضوع غلاء المحروقات قرار “مجانب للصواب”.

وأوضحت نعيمة الفتحاوي البرلمانية عن الحزب أن هذا القرار غير معقول، خاصة أننا نتحدث عن موضوع يشغل بال الرأي العام الوطني، إلى جانب أن مجلس المنافسة أصدر بيانا حول هذا الموضوع الذي له وقع مباشر على المعيش اليومي للأسر المغربية وعلى الاقتصاد الوطني برمته.

وأكدت فتحاوي في تصريحات لموقع حزب PJD أن طلب عقد اجتماع لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة مع مجلس المنافسة، يأتي في إطار تفعيل المهام الرقابية لمجلس النواب ليس على مجلس المنافسة ولكن على الحكومة.

وأشارت أن قرار مجلس المنافسة ليوم 23 نونبر 2023 حول الممارسات المنافية للمنافسة بالسوق الوطنية للمحروقات، يتطلب تسليط الضوء عليه على مستوى البرلمان، بما يمكن من تعميق وتوسيع النقاش بشأن توصياته.

واعتبرت أن مبررات مكتب مجلس النواب واهية، ”  لأننا على علم بقرار المجلس الدستوري حول المادة 182 من النظام الداخلي (نسخة 2012) المتعلق بالقضية، ولكن القرار يتعلق برفض إلزام مؤسسات الحكامة الجيدة بالحضور في اللجان وليس بالجواز.

وأضافت ” لسنا في هذه الحالة بصدد إلزام قانوني، بل هناك طلب من لجنة معينة، وإذا استجاب له مجلس المنافسة فلا مانع قانوني من ذلك”، لافتة إلى وجود حالات سابقة بالفعل لمثل هذا الوضع، حيث حضر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وغيره، وألقوا تقاريرهم حول قضايا تهم البرلمان والرأي العام، وتمت مناقشتهما وبذلك تم تنوير النواب بجوانب من التقرير تتعلق بتساؤلاتهم”.

منذ تعيينه على رأس مجلس المنافسة قبل عامين، أبدت تلك المؤسسة الدستورية العديد من الآراء حول قضايا شغلت المهتمين بالمنافسة في السوق، غير أن تساؤلات طرحت حول مآل ملف الشبهات حول مسألة وجود توافقات محتملة في قطاع النفط على أسعار المحروقات.

اليسار المغربي يحمل حكومة أخنوش مسؤولية الفشل في حل أزمة التعليم بسبب “سوء تصرفها”

في نوفمبر الماضي ، أعلن مجلس المنافسة، عن تغريم 9 شركات تعمل في مجال توزيع المحروقات في المغرب، مبلغ 1,84 مليار درهم، كتسوية تصالحية تؤديها المؤسسات المعنية التي تنشط في مجال تموين وتخزين وتوزيع الغازوال والبنزين، إلى جانب المنظمة المهنية التي تنتمي إليها، وذلك بعدما ثبت تورطها في ممارسات محتملة منافية لقواعد المنافسة في سوق المحروقات.

المرجع في هذا القرار كان هو المؤاخذات المضمنة في بلاغ صادر عن المقرر العام لمجلس المنافسة، في 3 غشت من سنة 2023، تبعا للعناصر والاستنتاجات التي توصلت إليها مصالح التحقيق التابعة للمجلس، والتي خلصت إلى وجود حجج وقرائن تفيد ارتكاب الشركات المعنية بالمؤاخذات لأفعال منافية لقواعد المنافسة في السوق الوطنية للبنزين والغازوال.

ويمثل هذا الأمر اعترافا صريحا بخصوص تورط الشركات، التي تفادى مجلس المنافسة ذكر أسمائها في البلاغين، في تحقيق مكاسب غير مشروعة تُقتطع من جيوب المواطنين، الأمر الذي يحيلنا على مسار طويل لهذا الملف، الذي يرتبط بشكل مباشر باسم رئيس الحكومة عزيز أخنوش، باعتباره مالك شركة “أفريقيا”، الفاعل الأول في سوق المحروقات الوطنية.

والمثير للانتباه أن المبلغ الذي تحدث عنه بلاغ الشهر الماضي، يزيد قليلا عن عُشر ما سبق للبرلمان أن تحدث عنه، كأرباح إضافية حققتها شركات المحروقات ما بين نهاية 2015 وماي من سنة 2018، إثر دخول قرار تحرير أسعار البنزين والغازوال حيز التنفيذ، وذلك من خلال اللجنة البرلمانية الاستطاعية التي كان يترأسها عبد الله بوانو، رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية حاليا.

وبوانو هو الذي كان قد أكد أن إجمالي ما حققته تلك الشركات من أرباح إضافية، أو “غير أخلاقية”، على حد تعبير البرلماني السابق عن فدرالية اليسار الديمقراطي، عمر بلافريج، بلغ 7 مليارات درهم سنة 2016 وحدها و7 مليارات درهم سنة 2017 وحدها، أما الـ3 مليارات المتبقية فتهم ما تبقى من أشهر الفترة المشمولة بالمهمة البرلمانية الاستطلاعية، والتي شملت 2500 محطة لتوزيع البنزين والغازوال منتشرة في مختلف أنحاء المغرب.

لكن ما يتحدث عنه مجلس المنافسة، باعتباره السبب وراء معاقبة الشركات التسع، هو ما ورد في بلاغ غشت الماضي، الذي تحدث عن وقوعها في  مخالفة صريحة لمقتضيات المادة 6 من القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة كما تم تتميمه وتغييره، والتي تنص على أنه “تحظر الأعمال المدبرة أو الاتفاقيات أو الاتفاقات أو التحالفات الصريحة أو الضمنية كيفما كان شكلها وأيا كان سببها، عندما يكون الغرض منها أو يمكن أن تترتب عليها عرقلة المنافسة أو الحد منها أو تحريف سيرها في سوق ما”.

وتحدثت الوثيقة نصا عن الحد من دخول السوق أو من الممارسة الحرة للمنافسة من لدن منشآت أخرى، وعرقلة تكوين الأسعار عن طريق الآليات الحرة للسوق بافتعال ارتفاعها أو انخفاضها، وحصر أو مراقبة الإنتاج أو المنافذ أو الاستثمارات أو التقدم التقني، وتقسيم الأسواق أو مصادر التموين أو الصفقات العمومية”.

هذا الأمر يقودنا إلى “الزلزال” الذي تسبب فيه هذا الملف قبل نحو 3 سنوات ونصف، وذلك بعد توصل الديوان الملكي بتاريخ 23 يوليوز 2023، بمذكرة من الرئيس السابق لمجلس المنافسة، إدريس الكراوي، بخصوص “التواطؤات المحتملة لشركات المحروقات وتجمع النفطيين بالمغرب”، والذي ينص على فرض غرامة مالية تعادل 9 في المائة من رقم المعاملات السنوي المحقق بالمغرب، بالنسبة للموزعين الثلاثة الرائدين، وبمبلغ أقل بالنسبة لباقي الشركات.

وكانت هذه المرة الأولى التي يربط فيها المجلس، ضمنيا، الممارسات الاحتكارية بشركات “أفريقيا” و”فيفو إينيريجي” و”توتال إينيررجي”، باعتبارها أهم 3 مؤسسات فاعلة في مجال المحروقات بالمغرب، وفق ما ورد أيضا في تقرير للمجلس بخصوص ارتفاع أسعار المحروقات صدر في شتنبر من سنة 2022، لكن حالة الارتباك التي تلت هذه المذكرة، أدت إلى إقبارها والإطاحة برئيس مجلس المنافسة السابق من منصبه، ليعوضه الرئيس الحالي أحمد رحو.

فبتاريخ 28 يوليوز 2020، وحسب الديوان الملكي، توصل الملك بمذكرة ثانية من رئيس مجلس المنافسة أيضا تهم الموضوع ذاته، والتي تتحدث عن “قيمة الغرامات المفروضة” على الموزعين خلال الجلسة العامة ليوم 27 يوليوز، وتم هذه المرة تحديد المبلغ في حدود 8 في المائة من رقم المعاملات السنوي دون تمييز بين الشركات، ودون أي إشارة إلى توزيع الأصوات، وفي اليوم نفسه توصل العاهل المغربي بورقة صادرة عن العديد من أعضاء المجلس يبرزون من خلالها أن “تدبير هذا الملف اتسم بتجاوزات مسطرية وممارسات من طرف الرئيس مست جودة ونزاهة القرار الذي اتخذه المجلس”.

ما يعنينا في كل ذلك، هو رقم 9 في المائة الذي فرضه المجلس، في الصيغة الأولى، كإجراء عقابي ضد الفاعلين الثلاثة الرئيسيين في مجال المحروقات بالمغرب، فهذا الرقم بعيد جدا عن قيمة الغرامة المفروضة حاليا على الشركات المعنية، والذي تم إعلانه بناء على “تسوية تصالحية” بناء على إبداء تلك الشركات ومنظمتها المهنية رغبتها في “الاستفادة من مسطرة التسوية”.

وللوقوف على البون الشاسع بين الرقمين، نعود إلى رقم معاملات شركة “أفريقيا غاز” لسنة 2022، وهو 9,51 مليار درهم، ما يعني أن نسبة 9 في المائة منه تعادل تقريبا 856 مليون درهم، أما رقم معاملات “فيفو إينيرجي المغرب”، فبلغ سنة 2021 حوالي 13 مليار درهم، أي أن النسبة المذكورة تعادل 1,17 مليار درهم، في حين وصل رقم معاملات “توتال إينيرجي المغرب” إلى 19,7 مليار درهم العام الماضي، أي أن ما كان مفروضا عليها هو مبلغ 1,77 مليار درهم.

هذه الأرقام تعطينا صورة تقريبية عن واقع هذه الغرامة التصالحية، فإذا كان إجمالي ما ترتب على الشركات الثلاثة الكبرى فقط، إذا ما افترضنا تطبيق قرار مجلس المنافسة الأول الذي يحدد نسبة الغرامة في 9 في المائة، هو 3,8 مليارات درهم تقريبا، فإن 9 شركات مطالبة حاليا، وفق قرار أمس، بأداء 1,84 مليار دهم فقط، دون أن يكشف مجلس المنافسة عن الرقم المرجعي الذي على أساسه تم التفاوض، أي الرقم الغرامة الأصلية التي تم تخفيضها.

وحتى يفهم القارئ ، كان لزاما أن نلقي نظرة المادة 37 من قانون حرية الأسعار والمنافسة، الذي لجأت إليه الشركات المعنية، ومبدئيا فإن هذا النص يعني بشكل مباشر إدانة تلك الشركات وإقرارها بالمنسوب إليها، لأنه ينص على ما يلي “إذا لم تعارض إحدى الهيئات أو المنشآت صحة المؤاخذات المبلغة إليها، جاز للمقرر العام أن يقترح على مجلس المنافسة، الذي يستمع إلى الأطراف ومندوب الحكومة دون إعداد تقرير مسبق، الحكم بالعقوبة المالية المنصوص عليها في المادة 39 من هذا القانون مع الأخذ بعين الاعتبار غياب أي اعتراض، وفي هذه الحالة، يقلص المبلغ الأقصى للعقوبة المحكوم بها إلى النصف، وعندما تتعهد المنشأة أو الهيأة، علاوة على ذلك، بتغيير تصرفاتها في المستقبل، يجوز للمقرر العام أن يقترح على المجلس أخذ ذلك أيضا بعين الاعتبار عند تحديد مبلغ العقوبة”.

واستناداً إلى المادة 6 يتعلق الأمر بمنشآت التي ارتكزت عليها مؤاخذة مجلس المنافسة للشركات شهر غشت الماضي، فإن منطوق المادة 39 يوصل الحد الأقصى للعقوبات المفروضة على المنشأة المتورطة إلى 10 في المائة من رقم معاملاتها الأعلى.

وورد في هذا النص ” يجوز لمجلس المنافسة أن يصدر عقوبة مالية تطبق إما فورا أو في حالة عدم تنفيذ الأوامر أو في حالة عدم احترام التعهدات التي قبلها المجلس”، مضيفا “تتناسب العقوبات المالية مع خطورة الأفعال المؤاخذ عليها وأهمية الضرر الملحق بالاقتصاد ومع وضعية الهيأة أو المنشأة الصادرة ضدها العقوبة أو المجموعة التي تنتمي إليها المنشأة، واحتمال العودة إلى الممارسات المحظورة بموجب هذا القسم. وتحدد بشكل منفصل بالنسبة إلى كل منشأة أو هيأة صدرت ضدها العقوبة مع تعليل كل عقوبة”.

أما الفقرة الثالثة، وهي مربط الفرس، فتقول “إذا لم يكن المخالف منشأة، فإن المبلغ الأقصى للعقوبة هو أربعة ملايين درهم، أما المبلغ الأقصى للعقوبة بالنسبة لمنشأة فهو 10 في المائة من مبلغ رقم المعاملات الأعلى العالمي أو الوطني بالنسبة للمنشآت التي ليس لها نشاط دولي، دون احتساب الرسوم، والمنجز خلال إحدى السنوات المحاسبية المختتمة منذ السنة التي سبقت تلك التي تم خلالها القيام بالممارسات، و إذا كانت حسابات المنشأة المعنية مجمعة أو مشتركة حسب النصوص المطبقة على شكل الشركة، فإن رقم المعاملات المعتبر هو المتضمن في الحسابات المجمعة أو المشتركة للمنشأة المنجزة للتجميع أو التشارك”.