“فيديو لجنة الأخلاقيات” يكشف اختلالات الحكامة المهنية… وخرجة البقالي تُعيد طرح أسئلة الثقة والتمثيلية في الصحافة المغربية
جاءت خرجة عبد الله البقالي الأخيرة على خلفية الفيديو المسرَّب المتعلق بأعمال لجنة الأخلاقيات التابعة للجنة الحكومية الدائمة المكلفة بالصحافة والنشر. لم يكن الظهور مجرد تعليق على حدث آني، بل لحظة كشفت العديد من المعطيات التي لم تكن معروفة للرأي العام ولا للمهنيين.
وقد تضمّنت تصريحات البقالي معطيات وصفها بأنها جزء مما كان يجري داخل اللجنة. من بين ما جاء على لسانه: قوله إن الصحافي حميد المهداوي كان «مستهدفًا»، وإنه – أي البقالي – اعترض على هذا الوضع، إضافة إلى حديثه عن اختلالات داخل اللجنة ووجود مساطر استثنائية قد تُستعمل قبل تسليم بطاقة الصحافة.
وحرصًا على المهنية، تُسجَّل هنا ملاحظة أساسية: هذه المعطيات وردت على لسان البقالي نفسه، وهي تستند إلى ما عُرض في الفيديو وما صرّح به في خرجته، ولا يمكن الجزم بما هو أبعد من ذلك دون نتائج تحقيق رسمي أو توضيحات إضافية من الجهات المعنية.
ماذا لو لم يُسَرَّب الفيديو؟
السؤال الذي يطرحه كثيرون هو: هل كان الرأي العام سيطّلع على هذه المعطيات لو لم يظهر الفيديو؟
وفق ما بدا من تصريحات البقالي، فإن ما جرى داخل اللجنة لم يكن ليخرج إلى العلن، ما كان سيعني استمرار المسطرة في مسارها دون نقاش عام، وربما دون توضيحات رسمية.
الاعتذار… ولمن يُوجَّه؟
قدّم البقالي اعتذارًا عامًا، لكنه لم يوجّهه بشكل صريح إلى الجسم الصحافي الذي صوّت له. كما عبّر عن تضامن مع أعضاء لجنة الأخلاقيات بسبب ما وصفه بـ«التشهير» الذي طالهم، بينما لم يُشر في خرجته إلى الصحافي محمد الطالبي – وهو نائبه السابق في النقابة – الذي سبق وأن مُسّ اسمه في سياق قرارات اللجنة نفسها.
الفرق في توجيه التضامن يفتح بابًا مشروعًا للأسئلة المهنية: هل كان البقالي يتحدث بصفته النقابية أم بصفته السياسية؟ وما حدود مسؤولية النقابي حين يتعلق الأمر بقرارات هيئة يُفترض فيها حماية أخلاقيات المهنة؟
بين لغة النقابة ولغة السياسة
يمكن فهم جزء من الخطاب ضمن سياق التوازنات داخل الحقلين السياسي والمهني معًا. وهو ما طرح لدى بعض المتابعين انطباعًا مفاده أن البقالي سعى إلى تقديم قراءة وسطية لا تُغضب أي طرف.
وهنا من الضروري التأكيد على أن هذا تحليل مهني يستند إلى مضامين الخطاب وتوقيته، وليس حكمًا على النوايا.
عن “اقتدار” لجنة الأخلاقيات
أشار البقالي إلى ما سماه «اقتدار اللجنة». غير أن ما ظهر في الفيديو المسرَّب، وما ورد في تصريحاته، يثير الحاجة إلى نقاش مؤسساتي وعلني حول منهجية اشتغال اللجنة، خاصة ما يتعلق بالمساطر الاستثنائية والسلطة التقديرية لبعض أعضائها.
هذا النقاش مطلوب لضمان الشفافية، وحماية استقلالية القرار المهني، وتعزيز ثقة الجسم الصحافي في الآليات التنظيمية.
خلاصة أوسع من الحدث
القضية لا تتعلق بشخصين أو موقف عابر، بل تكشف جزءًا من التوترات البنيوية التي يعيشها القطاع: تداخل السياسي بالنقابي، غياب وضوح المساطر، وإشكالية الثقة بين المهنيين والهيئات المكلفة بضبط المجال.
ومن منطلق المهنية، يبقى باب حق الرد مفتوحًا أمام جميع الأطراف المعنية لإبداء توضيحات إضافية حول ما ورد في هذه القضية، أو حول الممارسات داخل اللجنة، وهو ما من شأنه تعزيز وضوح الصورة وتحصين المهنة.