البناء العشوائي في المغرب: بين تحديات التنظيم والفساد وتداعيات الكوارث الطبيعية

0
156

قضية البناء العشوائي في المغرب تعتبر من أبرز المشاكل التي تؤثر سلبًا على مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية. فإلى جانب ما تهدره هذه الظاهرة من ملايين الدولارات سنويًا من الخزينة العامة، فإنها تزيد من الأعباء على البنى التحتية والخدمات العامة، وتُعرِّض المواطنين لمخاطر جسيمة عند حدوث كوارث طبيعية، كما حدث في بعض المناطق القروية مثل مرزوكة. تساقط الأمطار الغزيرة والفيضانات والسيول الجارفة في هذه المناطق يزيد من خطر انهيار الأبنية غير المطابقة للمواصفات، مما يتسبب في خسائر بشرية كبيرة.

البناء العشوائي بين الفساد والتواطؤ

من المؤسف أن يكون عون السلطة جزءًا من منظومة الفساد التي تساهم في تفشي هذه الظاهرة. فبناءً على شهادات متورطين في مخالفات البناء، يتعاون بعض أعوان السلطة مع الوسطاء العقاريين والمقاولين، حيث يتغاضون عن المخالفات مقابل مبالغ مالية، مما يسمح ببناء طوابق إضافية أو منازل غير مرخصة.

السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا يتم القضاء على هذه الممارسات رغم وجود القوانين؟ الإجابة قد تكمن في ضعف آليات الرقابة والمحاسبة. هل هناك إرادة حقيقية لمحاسبة المتورطين، أم أن هناك تواطؤًا على مستوى أعلى يعطل تطبيق القانون بصرامة؟

القوانين وفعاليتها

القانون 12-66 المتعلق بمراقبة وزجر مخالفات التعمير والبناء يعتبر خطوة مهمة، لكنه يعاني من ثغرات في التطبيق. على الرغم من وجود معايير محددة لمعاقبة المخالفين، إلا أن الفساد الإداري يعيق تحقيق العدالة.

يبقى السؤال: هل هناك حاجة لإجراء مراجعة شاملة للقوانين وتطبيقها بطرق أكثر فعالية، خصوصًا في المناطق القروية التي تعاني من هشاشة البنى التحتية؟

ارتفاع عدد قتلى الفيضانات إلى 11 والمفقودين إلى 9

الكوارث الطبيعية: البناء العشوائي في مرمى الخطر

المناطق القروية مثل مرزوكة وغيرها تتعرض لمخاطر الفيضانات والسيول التي تهدد حياة السكان. غياب تراخيص البناء أو استخدام مواد غير مطابقة للمواصفات يجعل هذه الأبنية هشة أمام الكوارث الطبيعية، ويزيد من عدد الضحايا. لذلك، تصبح الحاجة ملحة لـ تبسيط المساطر الإدارية لتشجيع البناء القانوني، ولكن بالتوازي مع مراقبة صارمة للأشغال لضمان السلامة.

العواقب الاقتصادية والاجتماعية

البناء العشوائي لا يؤثر فقط على الموارد المالية، بل يعمق التفاوت بين المناطق الحضرية والريفية. في المدن، قد تكون هناك حلول لتأهيل المناطق العشوائية، لكن في المناطق القروية مثل مرزوكة، فإن الكوارث الطبيعية تزيد من معاناة المواطنين.

على سبيل المثال: النفقات الكبيرة التي تُخصص لإعادة بناء ما دمرته الفيضانات تُهدر فرصًا أخرى للتنمية، مما يعزز من الهجرة نحو المدن، حيث تكون الخدمات أكثر توافراً.

الحلول المقترحة

للتغلب على هذه الظاهرة، يجب اتباع استراتيجية شاملة ومتكاملة تتضمن:

  1. تعزيز الرقابة والمساءلة: يجب أن تكون هناك رقابة صارمة على أعوان السلطة والمقاولين، مع تفعيل الرقابة الرقمية لرخص البناء.

  2. مراجعة القوانين: ينبغي مراجعة القوانين الخاصة بمراقبة البناء لتكون أكثر شمولاً وحزمًا في التعامل مع المخالفات.

  3. توعية المواطن: المواطنون أيضًا عليهم دور كبير، من خلال الوعي بمخاطر البناء غير المرخص والتأكد من حصولهم على التراخيص اللازمة.

الخلاصة: مسؤولية مشتركة

في النهاية، المسؤولية تقع على عاتق الجميع، سواء كانوا سلطات محلية أو مواطنين. لا بد من تعزيز الشفافية في إدارة ملفات البناء والتعمير، مع مكافحة الفساد لضمان أن يتمكن المواطنون من بناء منازلهم بطريقة قانونية وآمنة. على السلطات أن تتحمل مسؤولياتها في تبسيط المساطر الإدارية مع مراقبة صارمة لتفادي الخسائر البشرية والمادية في المستقبل.