تعتبر الهوة الكبيرة بين الغنى الفاحش والفقر الذي لا يرحم، أحد أغرب المفارقات التي يشاهدها أيّ زائر للمدن المغربية. ففي الوقت الذي يتمتَّع فيه الأثرياء بحياة من البذخ والترف، لا يزال الفقر يجثم على صدور ملايين المغاربة ويضيق الخناق على رقابهم ويطوِّقهم بحزام البؤس والحرمان، وتقف السلطات والجهات المعنية مكتوفة الأيدي أمام معاناة الفقراء.
الرباط – قالت المندوبية السامية للتخطيط، (مؤسسة حكومية) في المغرب، الخميس ،أن 3 ملايين مغربي إضافي تعرضوا إلى الفقر والهشاشة بسبب تداعيات جائحة فيروس كورونا وارتفاع التضخم.
ويُعد المغرب أحد أكثر دول شمال أفريقيا الحاصلة على دعم مالي من المنظمات الدولية بغية دحر الجوع والتخفيف من حدّة الفقر، وبالرغم من ذلك تتخبَّط العديد من الأسر المغربية في الفقر وتصارع المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المزمنة.
ولكن عندما يفشل الدعم المالي الدولي وكذا القروض الدولية والسياسات المحلية في وضع حدٍّ للفقر ويتساوى المغرب الغني بالثروات في معدل الفقر مع الصومال وزيمبابوي يتَّضح أنّ هناك خللا كبيرا في السياسات المنتهجة والتي تزيد الفقير فقراً والغني غنى.
حسب بيانات رسمية صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط في المغرب، يعاني أكثر من ثلاثة ملايين مغربي من الفقر والعوز، حيث تشتدّ حدّة الفقر في الريف مقارنة بالمدن.
وتشير التقديرات الواردة في التقرير إلى أن تداعيات الجائحة أدت إلى تراجع وضعية الفقر والهشاشة بالبلاد إلى ما كانت عليه عام 2014، وذلك بعد تحليل عينات بحث شمل 120 ألف أسرة خلال الفترة الممتدة من 11 أكتوبر 2021 إلى 10 فبراير من العام الجاري.
وانخفض مستوى معيشة الأسر المغربية على الصعيد الوطني بنسبة 2.2 في المائة سنويا خلال الفترة نفسها، موضحة أن العمال والتجار هم الأكثر تضررا من آثار الأزمة الصحية.
ودفع هذا التراجع المسجل في مستويات المعيشة، الأسر المغربية إلى التقليل من النفقات، خصوصا النفقات الغذائية والتجهيزات المنزلية ونفقات الترفيه، وارتفع مقابل ذلك، انفاقها على الصحة وعلى تكنولوجيا الاتصال.
ومن أمثله ذلك، انتقل متوسط الانفاق السنوي للفرد على التغذية قبل فترة كوفيد-19 من 7464 درهما إلى 7289 درهما عام 2021، وتراجع انفاقه على الترفيه من 540 درهما عام 2019 إلى 394 درهما عام 2021، بينما ارتفع انفاقه السنوي على الصحة من 1029 درهما إلى 1341 درهما.
تبعا لذلك، قال التقرير إن تداعيات الأزمة الصحية وارتفاع الأسعار أدت إلى “تفاقم” الفوارق الاجتماعية وإلى ارتفاع نسبة الفقر والهشاشة في الأوساط الحضرية والقروية، مفيدا بأن معدل الفقر المطلق انتقل بين عامي 2019 و2021 من 1.7 في المائة إلى 3 في المائة على المستوى الوطني، كما أدت التداعيات نفسها إلى ارتفاع معدلات الهشاشة من 7.3 في المائة عام 2019 إلى 10 في المائة عام 2021.
علقت المندوبية على تلك هذا التراجع بالقول: “في ظل هذه الظروف، تعرض حوالي 3,2 مليون شخص إضافي إلى الفقر (1,15 مليون شخص) أو إلى الهشاشة (2,05 مليون شخص).
ويعزا 45% من إجمالي هذا الارتفاع العددي إلى تبعات الجائحة و55% إلى ارتفاع الأثمنة عند الاستهلاك. وجاء في المذكرة “نقدر في هذا الصدد فقدان ما يقرب سبع سنوات من التقدم المحرز في القضاء على الفقر و الهشاشة، و عليه، تراجعت وضعية الفقر والهشاشة بالمغرب إلى مستويات سنة 2014″.
يصنَّف المغرب من بين أكثر الدول العربية تفاوتاً في توزيع الثروة والدخل، حيث ما زال المشهد الاجتماعي في المغرب يتَّسم بغياب العدالة الاجتماعية والتوزيع غير العادل للمداخيل والثروة إلى يومنا هذا.
وإن واصلت السلطات على هذا المنوال ستحطِّم المغرب مستقبلاً جميع الأرقام القياسية في اتّساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، حيث توثِّق الإحصائيات المتاحة لدى البنك الدولي حول توزيع دخل الأسر التفاوت الصارخ في توزيع الدخل والثروة في المغرب.
فقد قُدِّر نصيب أفقر 20 بالمائة (الخمس الأدنى على سلم توزيع الدخل) بـ6.7 بالمائة سنة 2013، بينما قُدِّر نصيب أغنى 20 بالمائة (الخمس الأعلى) بـ47 بالمائة سنة 2013، أي أنّ أغنى 20 بالمائة من المغاربة يستحوذون على 47 بالمائة من الدخل مقابل 6.7 بالمائة لأفقر 20 بالمائة من المغاربة، كما بلغ نصيب أفقر 10 بالمائة (العشر الأدنى على سلم توزيع الدخل) 2.7 بالمائة سنة 2013، مقابل 31.9 بالمائة لأغنى 10 بالمائة (العشر الأعلى على سلم توزيع الدخل).
بالطبع لن تتمكَّن الحكومة المغربية من القضاء على الفقر بين ليلة وضحاها، والحلّ مرهون بالإرادة السياسية والالتزام المستمرّ بتنفيذ السياسات التي تحدّ من الفقر، كخلق المزيد من مناصب الشغل الدائمة، والحرص على توجيه الدعم للفئات التي تحتاجه من خلال التحويلات الاجتماعية، وهذا يتطلَّب بدوره جمع بيانات موثوقة وشفافة عن الدخل والثروة ونسب الفقر والفئات المستحقة للدعم.
وهناك ضرورة جدّ ملحّة لتحديث ﺍﻟﻨﻅﺎﻡ ﺍﻟﺠﺒﺎئي المغربي الذي يتَّسم بعدم الإنصاف، لذلك فهو يقتضي المراجعة وإعادة النظر في أسرع وقت ممكن، فليس من المجدي نفعاً الاعتماد على الضرائب غير المباشرة كالضريبة على القيمة المضافة.
ويجب بدلاً من ذلك الاعتماد على الضرائب المباشرة المتصاعدة على الدخل ورأس المال والثروة، إضافة إلى التصدِّي للتهرب الضريبي.
والمشكل الأكبر أنّ الحكومة المغربية والسلطات المعنية على علم تامّ بكل هذه التوصيات الضرورية والتي يجب أن تتحرَّر من كونها مجرَّد حبر على ورق وتجد طريقها نحو التطبيق على أرض الواقع، ولكن ما الذي يمنع الحكومة المغربية من المضي قدماً نحو الحدّ من الفقر وتقليص الفوارق الاجتماعية من خلال تنفيذ تلك التوصيات؟ والإجابة بسيطة وتتمثل في الفساد ونفوذ اللوبيات اللذين يعيقان الجهود الرامية إلى تجفيف منابع الفقر وإحلال المساواة بين مختلف طبقات المجتمع.