التعاون القضائي المغربي-الفرنسي: تعزيز الشراكة أم استمرار النفوذ الفرنسي؟

0
66

في ظل العلاقات التاريخية المتشابكة بين المغرب وفرنسا، يثير التعاون القضائي المستمر بين البلدين تساؤلات جوهرية حول طبيعته: هل هو شراكة متوازنة قائمة على المصالح المتبادلة، أم أنه امتداد لنفوذ فرنسا داخل المنظومة القضائية المغربية؟

زيارة وزير العدل الفرنسي: تعزيز التعاون أم ترسيخ النفوذ؟

استقبل السيد محمد عبد النباوي، الرئيس الأول لمحكمة النقض والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والسيد الحسن الداكي، الوكيل العام للملك ورئيس النيابة العامة، وزير العدل الفرنسي جيرالد دارمانان، في إطار زيارته الرسمية للمغرب.

يُعتبر التعاون القضائي بين المغرب وفرنسا أحد أبرز مظاهر العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث يغطي مجالات واسعة مثل تسليم المجرمين، مكافحة الجريمة المنظمة، الإرهاب، وتبادل الخبرات القانونية.

غير أن هذا التعاون يثير تساؤلات جوهرية حول طبيعته: هل هو شراكة استراتيجية قائمة على مصالح مشتركة، أم أنه امتداد للإرث الاستعماري الذي لا يزال يلقي بظلاله على النظام القضائي المغربي؟

الجذور التاريخية والتأثير المستمر

لا يزال النظام القضائي المغربي يحمل بصمات واضحة من الحقبة الاستعمارية الفرنسية، حيث تم تبني العديد من القوانين والإجراءات القضائية الفرنسية خلال فترة الحماية (1912-1956). وحتى بعد الاستقلال، استمر العمل ببعض هذه القوانين، مما جعل العديد من الخبراء يتساءلون عن مدى استقلالية القضاء المغربي في ظل هذا الإرث القانوني.

مثال على ذلك، قانون الالتزامات والعقود المغربي، الذي يعود إلى عام 1913، لا يزال مستوحى من القانون المدني الفرنسي، وكذلك العديد من النصوص المنظمة للقضاء الجنائي والتجاري. فهل يمكن اعتبار هذا الامتداد القانوني تعاونًا مثمرًا أم استمرارًا للهيمنة القانونية الفرنسية؟

 التعاون الحالي: فرص وتحديات

أ. مجالات التعاون

  • الاتفاقيات القضائية: توجد عدة اتفاقيات تسهّل التعاون بين البلدين في القضايا الجنائية والمدنية، مثل تسليم المجرمين وتبادل المعلومات.

  • قاضي الاتصال الفرنسي في المغرب: وهو منصب يعكس استمرار النفوذ القانوني الفرنسي، حيث يعمل كحلقة وصل بين النظامين القضائيين.

  • توأمة محكمتي النقض: تهدف هذه التوأمة إلى تبادل الخبرات والممارسات الفضلى بين أعلى هيئتين قضائيتين في البلدين.

  • مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة: يُعد هذا المجال أولوية لكلا البلدين، خاصة في ظل التهديدات الأمنية المتزايدة.

ب. التحديات المطروحة

  • التكافؤ في الشراكة: هل يعكس التعاون شراكة متوازنة بين البلدين، أم أنه يخدم مصالح فرنسا أكثر من المغرب؟

  • استقلالية القضاء المغربي: إلى أي مدى يمكن للمغرب تحديث نظامه القضائي دون الاعتماد على الخبرة الفرنسية؟

  • إعادة هيكلة القضاء: هل يمكن للمغرب أن يعيد تشكيل منظومته القضائية وفقًا لأولوياته الوطنية بدلًا من الاعتماد على القوانين المستوردة؟

اللقاءات الأخيرة: تعزيز التعاون أم استمرار النفوذ؟

في إطار هذا التعاون، شهدت الرباط لقاءً بين السيد محمد عبد النباوي، الرئيس الأول لمحكمة النقض والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والسيد جيرالد دارمانان، وزير العدل الفرنسي. كما التقى الوزير الفرنسي بالسيد الحسن الداكي، رئيس النيابة العامة بالمغرب، حيث ناقشا سبل تعزيز التعاون في قضايا مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.

وقد تم خلال هذه اللقاءات تأكيد أهمية الاتفاقيات القضائية بين البلدين، ومؤسسة قاضي الاتصال، إضافة إلى اتفاقية التوأمة بين محكمتي النقض في البلدين. كما تم الاتفاق على تنظيم ندوة دولية مشتركة حول الجريمة المنظمة، مما يعكس رغبة الجانبين في تعميق هذا التعاون.

هل يمكن تحقيق استقلالية قضائية كاملة؟

لتحقيق استقلالية قضائية حقيقية، يجب على المغرب اتخاذ عدة خطوات:

  • إصلاح النظام القانوني: إلغاء القوانين القديمة التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية واستبدالها بتشريعات تتناسب مع السياق المغربي.

  • تنويع الشراكات الدولية: تعزيز التعاون مع دول أخرى غير فرنسا، لضمان تنوع التجارب والاستفادة من أفضل الممارسات العالمية.

  • احترام السيادة القضائية: التأكيد على أن أي اتفاقيات تعاون يجب أن تكون في إطار احترام السيادة المغربية الكاملة على نظامها القضائي.

الاستنتاجات

يمكن للتعاون القضائي بين المغرب وفرنسا أن يكون مفيدًا إذا تم التعامل معه بذكاء واستقلالية، بحيث يكون قائمًا على مصالح المغرب وليس مجرد استمرارية للنفوذ الفرنسي. يمكن للمغرب الاستفادة من الخبرة الفرنسية في تطوير نظامه القضائي، ولكن يجب أن يكون ذلك ضمن استراتيجية وطنية تهدف إلى تحقيق استقلالية قضائية حقيقية.

السؤال الأهم

هل المغرب بحاجة إلى فرنسا لتطوير نظامه القضائي، أم أن الوقت قد حان للتحرر من هذا الإرث الاستعماري والبحث عن نموذج أكثر استقلالية؟ الإجابة تكمن في قدرة المغرب على تحقيق التوازن بين الاستفادة من الخبرات الخارجية والحفاظ على سيادته القضائية، مع العمل على تطوير نظام قضائي يعكس الهوية الوطنية ويستجيب لتطلعات الشعب المغربي.