التعيينات العليا في المغرب: الولاء الحزبي أم الكفاءة الإدارية؟ نموذج إنصاف الشراط

0
122
صورة: موقع حزب الاستقلال

مع اقتراب الانتخابات المقبلة، يعود الجدل حول التعيينات في المناصب العليا إلى الواجهة، هذه المرة من بوابة وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، التي تتولى قيادتها الوزيرة نعيمة بن يحيى.

أحدث هذا الجدل تعيين السيدة إنصاف الشراط على رأس مديرية المرأة في الوزارة، وهو منصب حساس في وزارة تتعامل مع قضايا المرأة والأسرة والسياسات الاجتماعية الحيوية. الشراط، المنتمية لحزب الاستقلال، تعتبر من أبرز المقربين للأمين العام للحزب نزار بركة، وقد شاركت في الدفاع عن استمرار قيادته للحزب خلال الصراعات الداخلية الأخيرة.

الولاء الحزبي مقابل الكفاءة: قراءة أولية

تعيين الشراط أثار نقاشاً واسعاً حول مدى كفاءتها الإدارية وخبرتها المهنية. فقد انضمت حديثاً للوظيفة العمومية، ولم تتجاوز خبرتها عامًا واحدًا قبل توليها المنصب، بينما اعتمد مسارها في ديوان وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، المقرب من بركة، كعامل في تسهيل وصولها إلى المنصب الجديد.

هذا التعيين يُقرأ كخطوة تعكس التوازنات الداخلية للحزب، ويضع النقاش حول الولاء الحزبي مقابل الكفاءة على طاولة الرأي العام.

نماذج سابقة في المغرب

هذه ليست المرة الأولى التي يُثار فيها جدل حول توظيف الولاءات الحزبية في المناصب العليا:

  • وزارات أخرى شهدت تعيينات مشابهة، حيث تم اختيار مسؤولين وفق ولائهم السياسي رغم قلة خبرتهم، وهو ما أثار احتجاجات من داخل الوزارات والهيئات المهنية.

  • في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، كانت هناك حالات نقل موظفين على أساس قربهم من قيادات حزبية، مما أدى إلى نقاش حول استقلالية المؤسسات.

  • حتى على مستوى الجامعات والمؤسسات التعليمية، شهدت بعض التعيينات جدلاً حول مدى مطابقتها لمعايير الكفاءة العلمية والإدارية، مقابل الولاءات السياسية.

الرد الرسمي للحزب

مصدر مسؤول في حزب الاستقلال أكّد أن الشراط تستوفي جميع الشروط القانونية والإدارية، وأن ترشيحها خضع لمسطرة دقيقة عبر لجنة تضم مسؤولين وموظفين بارزين.

وأضاف المصدر أن الجدل المثار حول التعيين “مبالغ فيه ويفتقر إلى الأساس الواقعي”، وأن جميع الإجراءات الرسمية تمت تحت إشراف رئاسة الحكومة، ما يضمن نزاهة منح المناصب العليا لأي منتمٍ حزبي.

البعد المؤسساتي والإصلاح المنتظر

بالرغم من الضمانات القانونية، يبقى السؤال: هل يمكن الجمع بين الاعتبارات الحزبية والكفاءة الإدارية في نفس الوقت؟

  • البعد السياسي: التعيينات العليا غالباً ما تعكس صراعات الولاءات الداخلية للأحزاب، وتُستخدم كأداة لترسيخ النفوذ السياسي.

  • البعد الإداري: تعيين مسؤولين محدودي الخبرة قد يؤثر على فعالية الوزارات في إدارة السياسات الاجتماعية الحساسة، خصوصاً في ملفات المرأة والأسرة.

  • البعد المؤسساتي: وجود مساطر رسمية يحمي من التجاوزات، لكنه لا يمنع أحياناً تأثير الولاءات على القرارات الإدارية.

نماذج مقارنة دولية

  • في فرنسا وألمانيا، تخضع التعيينات العليا غالباً لمعايير الخبرة والكفاءة الأكاديمية والمهنية، مع إشراف مستقل من لجان تقييم، ما يقلل من تأثير الولاءات الحزبية.

  • في دول شمال إفريقيا الأخرى، مثل تونس والجزائر، تتقاطع الولاءات الحزبية مع الكفاءة بشكل متباين، لكن آليات الشفافية والمساءلة تلعب دوراً أكبر في مراقبة التعيينات العليا.

خاتمة تحليلية

تعيين إنصاف الشراط يسلط الضوء على معضلة مستمرة في المغرب: كيف نوازن بين الولاء الحزبي والكفاءة الإدارية؟

يبقى التحدي أمام الأحزاب والحكومة في ضمان أن المناصب العليا لا تُمنح إلا لمن يستحقها فعلياً، وأن الخبرة والكفاءة تبقى العنصر الحاسم، خصوصاً في الوزارات الحساسة التي تؤثر على المجتمع مباشرة.

في الوقت نفسه، يوضح التحليل أن الشفافية والمساءلة القانونية يمكن أن تقلل من تأثير الولاءات على الأداء، وهو ما يتطلب إصلاحات مؤسساتية طويلة الأمد لضمان استقلالية الإدارة العامة وتعزيز الثقة في القطاع العام.