“الجالية المغربية: الكنز المُهمل في معركة الدبلوماسية الاقتصادية والرؤية الملكية الجديدة”

0
1096

في زمن تتقاطع فيه التحديات الجيوسياسية مع التحولات الاقتصادية العالمية، وتتعاظم فيه رهانات السيادة والتنمية، يبرز المغرب كبلد يسعى بوعي وتدرج إلى إعادة تموقعه في خارطة العلاقات الدولية، مستثمراً في أدوات جديدة للدبلوماسية، من أبرزها: الدبلوماسية الاقتصادية وتعزيز دور الجالية المغربية كرافعة استراتيجية.

وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة، في مداخلته الأخيرة أمام مجلس النواب، لم يكتف بتعداد الإنجازات، بل رسم ملامح رؤية أوسع: تحويل السياسة الخارجية المغربية من مجرد تمثيل تقليدي إلى منصة اقتصادية وتجارية تخدم التنمية الوطنية وتكرّس سيادة القرار.

لكن ماذا تعني فعلاً “الدبلوماسية الاقتصادية” في السياق المغربي؟ وهل نحن بصدد تحول جذري في العقيدة الدبلوماسية للمملكة أم فقط توسيع لدوائر التأثير دون إعادة هيكلة حقيقية؟

من التمثيل الدبلوماسي إلى الوساطة الاقتصادية

إعلان بوريطة عن إنشاء مديرية عامة للدبلوماسية الاقتصادية وتعيين ملاحق اقتصاديين في عدد من السفارات يُعبّر عن قناعة متزايدة داخل المؤسسة الرسمية بأن العلاقات الدولية لم تعد تدار فقط بالبيانات والمواقف، بل بالمصالح، بالصفقات، وبقدرة الدول على حماية منتوجها، جلب الاستثمارات، وتأطير شراكات رابح/رابح.

هذا التوجه يتناغم مع رؤية ملكية أُعلنت منذ سنوات، خصوصاً عبر زيارات متعددة للقارة الإفريقية وتوقيع عشرات الاتفاقيات جنوب-جنوب. ولكن السؤال المطروح: هل تتوفر لدينا البنيات المؤسسية، والموارد البشرية المؤهلة، وآليات التنسيق بين وزارات السيادة وقطاع المال والأعمال لترجمة هذه الرؤية إلى واقع ملموس؟

الجالية المغربية: من “تحويلات مالية” إلى “قوة ناعمة استراتيجية”

حديث الوزير عن مغاربة العالم، الذين تتجاوز تحويلاتهم السنوية 100 مليار درهم، يكشف عن مفارقة لافتة: هذه الجالية تمثل ركيزة مالية أساسية، لكنها ما تزال مهمشة في السياسات العمومية المرتبطة بالاستثمار وبالقرار الاقتصادي.

فقط 10% من تحويلات الجالية تُوجّه نحو مشاريع استثمارية! هنا يطرح السؤال نفسه بإلحاح: ما الذي يمنع تحوّل هذه الكفاءات ورؤوس الأموال إلى شركاء حقيقيين في الاقتصاد الوطني؟ هل هي البيروقراطية؟ غياب الثقة؟ ضعف التأطير؟ أم غياب الإرادة السياسية الجادة لإعادة صياغة العلاقة مع هذه الفئة بشكل مؤسساتي عميق؟

المؤسسة المحمدية لمغاربة العالم: بداية تغيير أم مجرّد واجهة جديدة؟

الإعلان عن “المؤسسة المحمدية لمغاربة العالم” يأتي في سياق محاولة رسم نموذج جديد لتأطير الجالية، لكن نجاح هذا الورش يظل رهينا بعدة شروط:

  • التحديد الواضح لاختصاصاتها وحدود تداخلها مع باقي المؤسسات.

  • إشراك الجالية في تصور وتدبير هذه الهيئة.

  • تقنين دورها عبر منظومة قانونية واضحة تضمن الاستمرارية والحكامة.

فالرهان اليوم ليس فقط في إنشاء مؤسسات جديدة، بل في إعادة الاعتبار للثقة المفقودة بين مغاربة الخارج ومؤسسات الداخل، من خلال ضمان الشفافية، الحماية القانونية، وسرعة الإجراءات.

انتصارات المغرب الهادئة: رؤية ملكية في مواجهة الإكراهات

بعيداً عن الضجيج الإعلامي، يحق للمغرب أن يسجل بعض الانتصارات في هذا المسار:

  • تعزيز الاستقرار المؤسساتي في محيط إقليمي مضطرب.

  • تنويع الشركاء الاقتصاديين خارج الفضاء الأوروبي التقليدي.

  • تطوير شبكة تمثيليات دبلوماسية ذات طابع تنموي وتجاري.

لكن هذه الانتصارات تظل مهددة إذا لم تُعزز بإصلاح داخلي للمؤسسات المعنية بالهجرة والاستثمار، وإذا لم تُستثمر الجالية المغربية كقوة اقتراحية وفاعلة، لا فقط كـ”صندوق تمويل”.

في الخلاصة:

إن بناء دبلوماسية اقتصادية قوية وتعزيز دور الجالية المغربية في قضايا الوطن ليس ترفاً سياسياً، بل ضرورة استراتيجية لبلد يطمح لأن يكون رقماً مؤثراً في معادلات إفريقيا والمتوسط والعالم.

يبقى الرهان الأكبر:هل نملك اليوم الإرادة والجرأة لتغيير النمط التقليدي في التعامل مع مغاربة الخارج وتحويلهم من “مغتربين” إلى “فاعلين وطنيين عالميين”؟

ربما سيكون الجواب في قدرة الحكومة على تفعيل مضامين الخطاب الملكي، لا فقط على ترديدها.