الجامعة المغربية بين البحث والتدريب: إصلاح أم إفراغ للمعرفة؟

0
142

لم يكن وقع الأخبار الأخيرة حول نية وزارة التعليم العالي إلغاء بحوث الإجازة والماستر وتعويضها بتداريب ميدانية داخل المؤسسات العمومية بالأمر العابر. فالقرار، إن صح، يلامس جوهر الوظيفة الجامعية، ويطرح سؤالاً عميقًا: هل تتحول الجامعة المغربية إلى مجرد فضاء للتكوين المهني السريع، أم تظل وفية لدورها كحاضنة للبحث العلمي وإنتاج الفكر النقدي؟

خلفيات القرار وأسئلته

الوزارة تبرر هذا التوجه بالرغبة في جعل التكوين الجامعي أكثر التصاقًا بسوق الشغل، والتخفيف من الضغط على الأساتذة، الذين يواجهون أعدادًا هائلة من الطلبة. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل يكفي استبدال البحوث بتداريب إدارية لحل الأزمة البنيوية التي يعرفها التعليم العالي؟

بين التدريب والبحث: هل من موازنة ممكنة؟

من حيث المبدأ، لا أحد ينكر أن التدريب الميداني يشكّل قيمة مضافة في التخصصات التطبيقية كالطب والهندسة والعلوم الدقيقة. لكن الخطر يكمن في تعميم هذا الخيار على كل المجالات، بما فيها العلوم الإنسانية والاجتماعية والقانونية، حيث البحث ليس ترفًا بل هو جوهر التكوين الأكاديمي. في هذه التخصصات، يصبح إلغاء البحث بمثابة إفراغ للتكوين من بعده العلمي، وتحويل الجامعة إلى مجرد مؤسسة لتلقين مهارات سطحية.

شهادات ومواقف

عدد من الأساتذة الجامعيين يرون أن بحوث الإجازة والماستر ليست مشكلة في حد ذاتها، بل في غياب التأطير الكافي والموارد اللازمة لإنجاحها. فالطالب حين يُدفع إلى البحث، يتعلم أولى خطوات التفكير النقدي، التعامل مع المراجع، وصياغة الحجة. هذه مهارات لا يكتسبها داخل مكاتب الإدارات. في المقابل، هناك من يؤكد أن البحوث في صيغتها الحالية أصبحت شكلية في كثير من الحالات، حيث تُنجز عبر النسخ واللصق أو تُباع في السوق السوداء، ما يجعل قيمتها الأكاديمية محل تساؤل.

تجارب دولية: هل من دروس؟

النظر إلى تجارب دول أخرى يكشف أن الإصلاح لا يقوم على الإلغاء، بل على التحديث. في فرنسا مثلًا، يبقى بحث الماستر شرطًا أساسيًا للولوج إلى الدكتوراه، بينما يعتمد النظام الأنجلوساكسوني على مزيج من الأطروحات المختصرة والتدريب العملي. الجامعات الرصينة لم تتخل عن البحث، بل أعادت هيكلته وجعلته أكثر ارتباطًا بالقضايا العملية.

ما وراء الإصلاح المعلن

جوهر النقاش إذن ليس في “الإلغاء” أو “التعويض”، بل في السؤال الأعمق: ما هو الدور الذي نريده للجامعة المغربية؟ هل نريدها فضاء لتخريج موظفين إداريين مؤهلين تقنيًا فقط؟ أم مختبرًا لإنتاج المعرفة والبحث العلمي، بما يسهم في بناء سياسات عمومية أكثر استنارة ويؤسس لاقتصاد قائم على الابتكار؟

خاتمة مفتوحة للنقاش

إن مستقبل الجامعة المغربية لا يُختزل في إلغاء بحث أو فرض تدريب. بل يتطلب رؤية متكاملة: تحسين التأطير، الاستثمار في البحث، خلق جسور حقيقية بين الجامعة وسوق الشغل. فالإصلاح الجذري لا يقوم على الهدم، بل على الترميم والتطوير. وأخطر ما قد يحدث هو أن يُتخذ قرار متسرع يجعل الجامعة تفقد هويتها كبوابة للفكر النقدي.

ويبقى السؤال معلقًا: هل نحن أمام إصلاح فعلي يروم الارتقاء بالجامعة، أم أمام مقاربة تقنية تختزل أزمة عميقة في حل سهل لكنه سطحي؟