في ندوة بمجلس النواب، انتقد النقيب عبد الرحيم الجامعي مشروع قانون المسطرة الجنائية، معتبرًا أنه يُعطي صلاحيات واسعة للشرطة القضائية والنيابة العامة على حساب حقوق المواطنين وحريتهم. فهل يُشكل هذا المشروع تهديدًا للمحاكمة العادلة؟
الانطلاق: مشروع استراتيجي أم أزمة جديدة؟
في ندوة نظمها مجلس النواب لمناقشة مشروع القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، أطلق النقيب عبد الرحيم الجامعي صافرة الإنذار، محذرًا من أن هذا المشروع “يُرهن مستقبل العدالة الجنائية في المغرب”. وأكد الجامعي أن الأمر لا يتعلق بالسياسة أو السياسيين، بل بمستقبل المجتمع وحقوق المواطنين.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يُعزز هذا المشروع العدالة أم يُهددها؟ وفقًا للجامعي، فإن المشروع يفتقر إلى “الهندسة الحقيقية”، ولا يأخذ بعين الاعتبار العناصر الأساسية مثل الدراسة التوقعية ومجانية التقاضي، مما يخلق مفارقة خطيرة بين النص الدستوري والواقع.
أزمة الاعتقال: حرية المواطن على المحك
أشار الجامعي إلى “أزمة الاعتقال” في المغرب، حيث تُنتهك حريات المواطنين دون ضمانات كافية. ودعا إلى إنشاء آلية تعويض لمن يتم اعتقالهم بشكل تعسفي، خاصة إذا انتهت إجراءاتهم بالبراءة أو بعقوبة خفيفة. لكن هل ستكون هذه الآلية كافية لضمان حقوق المواطنين؟
وأضاف الجامعي أن المشروع يعتمد على لغة فضفاضة، مثل “ما من شأنه”، “يمكن”، “يحق”، مع غياب مصطلحات إلزامية مثل “يجب”. هذا الغموض في الصياغة يُعطي صلاحيات واسعة للشرطة القضائية والنيابة العامة، مما يُهدد حرية وكرامة المواطنين.
صلاحيات مطلقة: الشرطة والنيابة العامة في المقدمة
أحد أبرز الانتقادات التي وجهها الجامعي للمشروع هو منحه صلاحيات مطلقة للشرطة القضائية والنيابة العامة. فبموجب هذا المشروع، يمكن لضباط الشرطة القضائية وضع أي شخص تحت الحراسة النظرية لمدة 48 ساعة بناءً على تقديرهم الشخصي. كما أن النيابة العامة تتمتع بصلاحيات واسعة في إصدار قرارات المراقبة القضائية.
لكن هل هذه الصلاحيات مبررة؟ وفقًا للجامعي، فإن هذه السلطة التقديرية الواسعة تُشكل تهديدًا لحقوق المواطنين، خاصة في ظل غياب ضمانات كافية لحماية حرياتهم. وتساءل: “كيف يمكن منح هذه السلطة التقديرية لضباط الشرطة القضائية والنيابة العامة في ظل غياب ضوابط صارمة؟”
صراع المؤسسات: أزمة في الصياغة
أكد الجامعي أن هناك صراعًا بين المؤسسة الأمنية والقضائية ووزارة العدل في صياغة المشروع، مما أدى إلى غياب التوافق الحقيقي. وأشار إلى أن هذا الصراع انعكس على النص النهائي، الذي يُعطي صلاحيات واسعة للشرطة والنيابة العامة على حساب القضاء الجالس.
فهل يُشكل هذا الصراع تهديدًا لاستقلالية القضاء؟ وفقًا للجامعي، فإن سحب صلاحيات التكليف من القضاء الجالس يُشكل “إجهازًا على السلطة القضائية”، خاصة أن النيابة العامة تُعتبر في بعض الفقه القانوني “موظفة ومعادية للحرية والدفاع”.
نداء الجامعي: التراجع عن المقتضيات الخطيرة
دعا الجامعي إلى التراجع عن المقتضيات التي تُعطي صلاحيات واسعة للنيابة العامة، مؤكدًا على ضرورة تقوية دور مؤسسة التحقيق بدلًا من إضعافها. وأكد أن تقوية هذه المؤسسة هو الضامن الوحيد لتحقيق المحاكمة العادلة وحماية حقوق المواطنين.
لكن هل ستستجيب الحكومة لهذا النداء؟ في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها العدالة الجنائية في المغرب، يبقى السؤال الأكبر: هل سيتم تعديل المشروع لضمان التوازن بين صلاحيات الأجهزة الأمنية وحقوق المواطنين؟
الخاتمة: مستقبل العدالة الجنائية على المحك
مشروع قانون المسطرة الجنائية يُشكل محطة حاسمة في مسار العدالة الجنائية في المغرب. لكن الانتقادات التي وجهها النقيب الجامعي تُظهر أن هذا المشروع يحتاج إلى مراجعة شاملة لضمان التوازن بين صلاحيات الأجهزة الأمنية وحقوق المواطنين.
في النهاية، يُطرح سؤال جوهري: هل سيتمكن المشرعون من إيجاد صيغة توافقية تحمي حقوق المواطنين دون إعاقة عمل الأجهزة الأمنية؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد مستقبل العدالة الجنائية في المغرب، ومدى قدرتها على تحقيق المحاكمة العادلة في ظل التحديات الراهنة.