كشفت صحيفة “الشروق” الجزائرية، اليوم الثلاثاء، أن الجزائر شرعت في إرسال الدعوات إلى الدول الأعضاء للحضور في قمة الجامعة العربية، المقرر عقدها في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، مشيرة إلى أن “الجزائر ستقوم بإرسال مبعوث خاص لتقديم دعوة المشاركة إلى المغرب”.
وقالت الصحيفة سالفة الذكر، إن “مشاركة المغرب في هذه القمة أثارت الكثير من الحيرة، لهذا يجب التنويه أنه وفق القاعدة المعمول بها سترسل الجزائر مبعوثا خاصا للمملكة المغربية وهو ما يعتبر واجبا أخلاقيا وسياسيا يستلزم معاملة جميع الدول الأعضاء على قدم المساواة، لأن الأمر لا يتعلق بالعلاقات الثنائية بل بعلاقات متعددة الأطراف”.
وفي نفس السياق، أكدت الصحيفة، أن ” الدعوات الأولى سلمها وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، إلى كل من رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، وعبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، وذلك على هامش انعقاد مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، اليوم الثلاثاء في القاهرة”.
وأضافت الصحيفة، أن “عبد الفتاح السيسي ومحمود عباس أكدا حضورهما في القمة”.
وتابعت الصحيفة، أنه “بهذا تكون الجزائر قد رفعت الحرج عليها وعلى الدول الأعضاء سواء بالموافقة أو رفض طلب الاستقبال الذي سترسله الجزائر”.
وبينما تلقي عقود من التوتر والخلافات المزمنة والقطيعة الدبلوماسية بظلالها على علاقات البلدين الجارين، حمل خطاب العاهل المغربي، في طياته دلالات خاصة، ورسائل قوية، بعدما أعرب عن تطلعه إلى “العمل مع الرئاسة الجزائرية، يداً بيد، لإقامة علاقات طبيعية بين شعبين شقيقين، تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية، والمصير المشترك”.
وأكد حرص المغاربة على “الخروج من الأزمة الحالية التي تمر منها العلاقات الثنائية، وتعزيز التقارب والتواصل والتفاهم بين الشعبين”.
وبدا لافتاً تشديد الملك محمد السادس على أن “الحدود التي تفرق بين الشعبين الشقيقين، المغربي والجزائري، لن تكون أبداً حدوداً تغلق أجواء التواصل والتفاهم بينهما”.
وأضاف: “بل نريدها أن تكون جسوراً، تحمل بين يديها مستقبل المغرب والجزائر، وأن تعطي المثال للشعوب المغاربية الأخرى”.
وفيما كان لافتاً حرص العاهل المغربي على توجيه رسائل ودّ ودعوة لطيّ ماضي الخلافات ورأب الصدع بين البلدين وتطبيع العلاقات، إلا أن تساؤلات عدة تطرح بشأن مستقبل هذه العلاقات بين البلدين، وإن كانت هناك من فرصة حقيقية لتطبيعها وإحداث اختراق إيجابي بعد سنوات من الصراع والتنافس اللذين وصلا إلى حد العداء؟
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتوجه فيها العاهل المغربي بدعوة للمصالحة ودفن ماضي الخلافات إلى الجانب الجزائري، وإن كان هذه المرة يأتي في وقت تجتاز العلاقات بين البلدين امتحاناً صعباً جعل المنطقة على شفير حرب إقليمية وقاب قوسين أو أدنى من الانزلاق إلى مواجهة أوسع.
ومنذ عام 2018 شكّلت سياسة “اليد الممدودة” المغربية تجاه الجزائر ثابتاً بنيوياً في مختلف الخطب الملكية، فدعا الملك محمد السادس في خطاب ذكرى المسيرة الخضراء، في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، إلى إنشاء آلية سياسية للحوار والتشاور بين البلدين تروم، وفق رؤية الملك، تحقيق 3 أهداف هي: طرح القضايا الثنائية العالقة على الطاولة بشفافية ومسؤولية، والتعاون الثنائي في المشاريع الممكنة، بالإضافة إلى كيفية التنسيق حول بعض القضايا الكبرى المطروحة كمشاكل الإرهاب والهجرة.
لكن الاقتراح المغربي لم يلق استجابة، بعدما ووجِه بصمت جزائري أرجعه مراقبون حينئذ إلى ارتباك الوضع السياسي في الجزائر، حين كان البلد تحت حكم الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة الذي كان يعاني أزمة صحية استغلتها تيارات من داخل الجيش ومحيط بوتفليقة للصراع على الحكم.
وفي 30 يوليو/ تموز 2021، كان لافتاً أن جزءاً كبيراً من خطاب العرش توقف طويلاً عند الوضع غير الطبيعي للعلاقات بين البلدين، معتبراً أنه “من غير المنطقي بقاء الحدود مع الجزائر مغلقة. وأن ما يمسّ أمن الجزائر يمسّ أمن المغرب والعكس صحيح”.
وقال العاهل المغربي بلهجة مؤثرة: “المغرب والجزائر أكثر من دولتين جارتين، إنهما توأمان متكاملان، وإن الوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضينا، وليس في مصلحة شعبينا، وغير مقبول من طرف العديد من الدول. فقناعتي أن الحدود المفتوحة هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين، وشعبين شقيقين”.
وعلى الرغم من كل الضمانات التي قدمها الملك من خلال تأكيده أن الشر والمشاكل لن تأتي “الأشقاء في الجزائر أبداً من المغرب، كما لن يأتيهم منه أي خطر أو تهديد، لأن ما يمسّ الجزائر يمسّ المغرب، وما يصيب الجزائر يصيب المغرب”، إلا أن الجزائر اختارت بعد ثلاثة أسابيع على الدعوة المغربية لتجاوز الخلافات المستمرة منذ عقود، التصعيد بإعلان قرارها إعادة النظر في علاقتها مع الرباط وتكثيف المراقبة الأمنية على الحدود الغربية، جراء ما سمتها “الأفعال العدائية المتكررة من طرف المغرب”.
وباءت كل المحاولات والمبادرات الساعية إلى إصلاح العلاقات المغربية الجزائرية بالفشل.
وحول ذلك، اعتبر رئيس “مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية”، محمد بودن، أن “الخطاب الملكي يؤكد أن الرباط قررت ترك مرحلة المواجهة مع الجزائر وراءها، وأنها متمسكة بدعمها لخيار تطوير اندماج إقليمي ذكي، من منطلق تقدير الحوار والاحترام كطريق لبناء المستقبل المشترك”.
وأشار في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “الأمر يتعلق بتأكيد ملكي لليد الممدودة تجاه الجزائر وعلى أهمية الحوار، لأن المرحلة التي تمرّ بها العلاقات الثنائية ينبغي معها تصور المستقبل بشجاعة وسعة نظر”.
وأضاف: “قد تكون النكسات جزءاً من رحلة العلاقات بين البلدين في مرحلة معينة، لكن إهمال الحلول أمر غير ذي جدوى، وإن التواصل بين الشعبين المغربي والجزائري لا يمكن أن ينتهي بقطع الحدود”.
ورأى بودن أن “خطاب الملك عبارة عن مبادرة بناءة وإرادية من المغرب يلزمها ما يشبهها من الجزائر لإحياء روح التضامن بين توأمين”، معتبراً ذلك خياراً استراتيجياً “سيمكّن البلدين معاً من مواجهة الجيل الجديد من الأعباء والتحديات واستثمار الإمكانات البشرية واللامادية والمستقبلية للبلدين، وصهرها في مجهود جماعي يمكن أن ينعكس إيجاباً على الفضاء المغاربي”.
ومن جانب آخر، كان وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، كان قد أكد بعد مشاورات جرت بينه وبين نظيره الجزائري رمطان لعمامرة، أن بلاده “تفضل عدم طرح موضوع استئناف شغل مقعدها بجامعة الدول العربية”، في ما كشفت الخارجية الجزائرية، أن سوريا لن تكون حاضرة في القمة العربية المقبلة التي تعتزم الجزائر تنظيمها.