الجزائر تتهم مجدداً المغرب بالوقوف وراء تقرير اليونيسيف حول ” البطالة والتهميش للشباب الجزائري”… تصعيد جديد؟

0
231

اتهمت الجزائر مجدداً المملكة المغربية الشريفة بالوقوف وراء التقرير الدوري الذي أنجزته منظمة صندوق الأمم المتحدة للطفولة الناقد لأوضاع مختلفة في الجزائر، وأخذ أبعادا تتصل بالأزمة القائمة بينها وبين المغرب، حيث وجهت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية أصابع الاتهام للرباط، باستغلال موظفين دوليين للمساس وتشويه صورتها في المحافل الدولية، حسب زعمها. 

وجاء ذلك بعد أن أصدرت منظمة “اليونيسف” تقريرا حول البطالة والتهميش والإقصاء الاقتصادي للشباب الجزائري المتخرج من المعاهد والجامعات.

وقالت الوكالة الرسيمية للأنباء الجزائرية: “من المعلوم أن اليونيسيف مكلفة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة بمهمة محددة وهي الدفاع عن حقوق الطفل والمساعدة على تغطية احتياجاته الأساسية وترقية وضعيته. لذا فلا يجب أن ننخدع لأن هذا التقرير المغلوط قد أعد بناء على طلب من بعض الملفقين الذين كانوا وراء التقارير الكاذبة التي اصدرها البنك العالمي وأذنابه.”

 

ووجهت برقية لوكالة الأنباء الرسمية الجزائرية انتقادات شديدة لمنظمة اليونيسف، على خلفية تقرير انتقد وضع الطفولة في الجزائر، وهو ما أعاد سيناريو الهجوم الذي شنته على البنك الدولي، حيث وجهت أصابع الاتهام في المناسبتين إلى دور ونوايا للمغرب في تشويه صورتها عبر موظفين دوليين موالين له، سواء في البنك الدولي أو منظمة اليونسيف.

وقالت الوكالة، إن “هذا التقرير الكاذب حول الجزائر الذي يحمل توقيع ممثل اليونيسيف في الجزائر المحسوب على المخزن المغربي والذي حصل على شهادة دكتوراه في الطب من المغرب لن يمر بسلام.”

وانتقدت الوكالة الجزائرية تقرير اليونيسيف لكونه حسب كلامها كان من المفروض أن يبرز “المكانة الهامة التي يحتلها الأطفال في سياسة الدولة لأنه وفي هذه السنة فقط التحق أكثر من 12 مليون طفل بمقاعد الدراسة على نفقة الدولة. وأن الجزائر تحتل مركزا جيدا في تصنيف التربية بنسبة أمية تبلغ 7 بالمائة فضلا عن وجود فضاءات لعب في كل المدن والقرى الجزائرية وهو ما لم تلاحظه هذه المنظمة.”

وكان مكتب منظمة اليونيسف قد ذكر في تقرير له بعنوان “انتقال الشباب ما بين 15 و24 سنة إلى حياة البالغين”، أنه “إضافة إلى معاناتهم من البطالة والهشاشة، يواجه الشباب الجزائري ضعف التمدرس والتهميش الاقتصادي والاجتماعي”.

وأثار ذلك حفيظة السلطة التي اختارت على ما يبدو الرد عن طريق وكالة الأنباء، التي قالت إنها “مجموعة من الأكاذيب الملفقة عمدا لمحاولة تسويد صورة الجزائر”، وتساءلت “ما سر اهتمام اليونيسف بهذه المواضيع على وجه الخصوص، إن لم يكن القصد وراءها تقديم صورة سوداوية عن الجزائر”.

ويأتي هذا الاتهام الجديد من طرف الجزائر للمغرب، عقب اتهام سابق له بشأن تقرير “رصد الوضع الاقتصادي في الجزائر” الذي أعده البنك الدولي، حيث كذُّبت وشككت في معطياته التي تُبرز صورة قاتمة عن اقتصاد البلاد بسبب استمرار الجزائر في الاعتماد على عائدات النفط ووجود مخاطر تهدده، مثل التضخم، واتهم المغرب بالوقوف ورائه. 

وجاء في تقرير اليونيسيف أنه إضافة إلى “معاناتهم (الشباب) من البطالة والهشاشة يواجه الشباب الجزائري ضعف التمدرس والتهميش الاقتصادي”، وهو ما أدانته الوكالة قائلة إن “محرري هذه الوثيقة قد أبانوا عن قصر نظرهم وفشلوا في مهمتهم وتفننوا في تلفيق الأكاذيب أكثر من بعض المخابر”. 

لبطالة بلغة الأرقام

جدل واسع يشكِّله الوضع الراهن للشباب الجزائري العاطل من العمل، حيث تشير إحصائيات منظمة العمل الدولية إلى تزايد عدد الشباب العاطلين من العمل، حيث وصلت نسبة البطالة بين هؤلاء إلى 10% سنة 2017، وقُدِّر معدل البطالة بين الذكور بـ8.4% مقابل 17.4% بين الإناث.كما أكَّد صندوق النقد الدولي على أنّ معدل البطالة سيتفاقم في الجزائر وسيرتفع من 11.16% في 2018 إلى 12.91% في 2020، والسبب هو ارتفاع عدد الشباب الباحثين عن فرص عمل، والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تتخبَّط فيها البلاد منذ تهاوي أسعار النفط.

وكذا يلعب أداء الاقتصاد الضعيف دوراً في ما يتعلق بالنمو الاقتصادي الذي بدوره سينخفض، حسب بيانات الصندوق، من 1.98% سنة 2017 إلى 1.84% سنة 2020 وصولاً إلى 0.66% سنة 2022، وبالتالي سيساهم ذلك النمو الاقتصادي الهزيل في تفشِّي البطالة بين الشباب.

هذه الأرقام التي تعكس الواقع الاقتصادي المرير من شأنها أن تجعل شريحة الشباب في البلاد فريسة سهلة للإحباط واليأس اللّذين يقودان إلى مشاكل وتبعات أخرى لا تُحمد عقباها، لكون الجزائر بلد غني بالنفط والغاز مرّت عليه فترات رخاء مالي في ظلّ ارتفاع أسعار النفط.

إذ كان بإمكان الحكومة آنذاك التخطيط لبرامج جادّة لتوفير أكبر قدر من الوظائف لمدّة معتبرة من الزمن عوضاً عن إلهاء الشباب بعقود التوظيف المؤقتة وقروض وكالة دعم تشغيل الشباب أو ما يعرف بـ”أونساج” التي لم تساعد على الحدّ من البطالة ولم تُقدِّم للإنتاجية والنمو الاقتصادي شيئًا يذكر، بل على العكس ساهمت في غرس الكسل في نفوس الشباب وترسيخ العمل غير المنتج الذي يقود الاقتصاد الجزائري نحو الهاوية بدلاً من التشبُّث بالتنويع الاقتصادي.

الطبقة السياسية تتحمَّل المسؤولية

تشير تقارير منظمة العمل الدولية وغيرها من التقارير الدولية التي تحمل الكثير من الحقائق المؤلمة عن اختزان الجزائر لعدد كبير من الشباب العاطل من العمل، بأصابع الاتِّهام إلى تعثُّر السياسات التي طبَّقَتها الطبقة الحاكمة، وإلى أن تجاوز مستوى البطالة بين الشباب في الجزائر للخطوط الحمراء ما هو إلا نتيجة لفشل السياسات الحكومية في خلق نوع من التوازن الرشيد ما بين احتياجات سوق العمل ومخرجات التعليم.

فمثلاً مناهج التعليم والتكوين المهني لم تستطع لحدّ الآن مواكبة مُتطلَّبات سوق العمل في القطاعين العام والخاص.

وعند الحديث عن دور القطاع الخاص في خلق فرص العمل للشباب، لا يسعُنا إلا أن نتذكَّر الإعانات الحكومية على شكل أراض وقروض وتسهيلات أخرى حصل عليها القطاع الخاص والذي لا يوجد لديه عذر لعدم تمكُّنِه من فتح أبوابه للشباب البطَّال الحالم بالظفر بمنصب شغل.

فعند ظهور بوادر ارتفاع أسعار النفط وامتلاء الخزينة العمومية يظهر على الفور القطاع الخاص حاملاً شعارات توظيف الشباب، وفور حصوله على الدعم يتذرع بعدم ملاءمة خبرات الشباب لمُتطلَّبات العمل. والغريب في الأمر أنّ الحكومة تمنح وبسخاء إعاناتها للقطاع الخاص في كل مرّة دون أن تلمس نتائجه على أرض الواقع. 

لذلك ينبغي على صنّاع القرار تمكين الشباب ومطالبة أصحاب العمل الخاص المستفيدين من دعم حكومي بتخصيص مناصب شغل للعاطلين من العمل وتدريبهم، كما يجب عليهم أيضاً أثناء صياغة السياسات الاعتماد على إحصائيات واقعية وتجنُّب تقديم بيانات مغلوطة وغير صحيحة بغية حجب الحقيقة المرّة عن المواطنين، فمشكلة البطالة موجودة ولا يمكن تجاهلها بتاتاً. 

لذلك آن الأوان لتصحيح الأوضاع وإيجاد نظام جديد يعطي للشباب العاطل من العمل أملاً جديداً وفرصاً أخرى تُجنِّبهم المكوث في شرك البطالة لفترة أطول، ولا سيَّما أنّ الثورات العربية قد بيَّنَت كيف يُستخدَم الشباب العاطل كوقود للصراعات السياسية، فالجزائر الآن تمرّ بمرحلة دقيقة تتطلَّب تحرُّكاً سريعاً يبدأ أوّلاً وقبل كلّ شيء بتصويت الشباب في الانتخابات.