الجزائر تطلق مشروع ربط بحري بدون المغرب وسط تصعيد إعلامي موجه لموانئه

0
150

الخط البحري الجزائري–القطري: مشروع نقل أم خطوة لمحاصرة المغرب لوجستيًا؟

في تحوّل استراتيجي لافت ضمن أجندة الربط البحري في منطقة غرب المتوسط، أعلن وزير النقل الجزائري، السعيد سعيود، عن دراسة مشروع خط بحري مباشر بين الجزائر والدوحة، مرورًا بموانئ عربية على ضفتي المتوسط والشرق الأوسط، تشمل تونس، ليبيا، مصر، السعودية وسلطنة عُمان في مراحل تالية.

لكن ما يثير الانتباه هو الاستثناء الصريح للمغرب من هذا المشروع، رغم امتلاكه أحد أبرز الموانئ العالمية، وهو ميناء طنجة المتوسط، الذي يُصنّف ضمن أفضل 20 ميناء عالميًا من حيث الربط البحري.

هل هو مشروع اقتصادي خالص أم مناورة جيواستراتيجية؟

بينما وصفت الجزائر المشروع بأنه “استراتيجي” ومرتبط برؤية لتعزيز التبادل التجاري بين الخليج وشمال إفريقيا، تطرح استبعادات من هذا النوع تساؤلات حول خلفية القرار:

  • لماذا استُبعد المغرب رغم مكانته اللوجستية؟

  • هل يتعلق الأمر بحسابات تقنية ولوجستية فعلية؟ أم أن الخلفية سياسية صِرفة؟

  • هل يُفهم هذا التحرك في سياق محاولات إعادة تشكيل خرائط النفوذ في غرب المتوسط بمعزل عن المغرب؟

الأكيد أن الإعلان تزامن مع تصعيد إعلامي تقوده منابر قطرية وجزائرية، روجت لأنباء غير مؤكدة عن رسو سفن “ميرسك” تحمل أسلحة لإسرائيل في موانئ مغربية، ما دفع مراقبين لوصف هذه الحملة بأنها “تشويش ممنهج” يستهدف تشويه صورة المغرب وموقعه المتقدم في المنظومة اللوجستية العالمية.

مشروع تحالفي أم محور إقصائي؟

في خلفية المشروع، يظهر تقارب جزائري–قطري متصاعد، تؤطره تصريحات الوزير الجزائري التي أشادت بـ”رؤية قطر الاستراتيجية” في النقل والبنية التحتية، ونيّة الجزائر “الاستفادة من التجربة القطرية في إطار شراكة رابح–رابح”. هذا النوع من الخطاب يعكس ما هو أبعد من مجرد تعاون ثنائي:

  • هل نحن أمام إعادة تموضع استراتيجي تُعيد الجزائر عبره اصطفافاتها في الخليج وشمال إفريقيا؟

  • وهل يكون هذا الخط البحري بوابة لبناء محور اقتصادي–لوجستي بديل يستثني المغرب عمدًا؟

  • وما حجم التأثير الحقيقي لهذا المشروع في سلاسل التوريد العالمية مقارنة بالموقع المحوري لميناء طنجة المتوسط؟

المغرب: غائب حاضر في الحسابات

ورغم الإقصاء الظاهري، فإن المعطيات التقنية تُظهر أن استبعاد المغرب من هذا الربط لا يُضعف تموقعه اللوجستي. فالمملكة تستند إلى شبكة بحرية واسعة النطاق ترتبط مباشرة بأوروبا، أمريكا، إفريقيا، وآسيا، وتُعد شريكًا تجاريًا متقدمًا للاتحاد الأوروبي والصين، مع تموقع مؤسساتي في كبريات المنصات التجارية الدولية.

ميناء طنجة المتوسط يُعد اليوم مرتكزًا هيكليًا للتدفقات العالمية، متصلًا بأكثر من 180 ميناء في 70 دولة، ويستقبل بانتظام كبريات شركات الشحن العالمية مثل Maersk، CMA CGM، وHapag-Lloyd. فهل كان الهدف الحقيقي من استبعاده هو تجنب منافسة غير متكافئة مع منصة لوجستية تفوق في قدراتها مجموع موانئ المشروع الجديد؟

في العمق: ما وراء الجغرافيا… السياسة

ما يتضح من التحليل أن المشروع الجزائري–القطري يحمل أبعادًا جيواستراتيجية بقدر ما يحمل طابعًا اقتصاديًا. استبعاد المغرب لا يمكن فصله عن مناخ التوتر الإقليمي ومحاولات بعض الأطراف تحجيم نفوذ المملكة، خاصة في ظل تصاعد دورها كحلقة وصل مركزية بين أوروبا، إفريقيا، وأمريكا اللاتينية في سلسلة الإمداد البحري.

ويبقى السؤال:

  • هل تملك الجزائر والدوحة من المقومات اللوجستية والبشرية والبنية المينائية ما يكفي لتحويل هذا المشروع إلى منافس فعلي للمنصات المغربية؟

  • أم أن المشروع يندرج ضمن “الهندسة الرمزية” للنفوذ، أكثر مما يعكس واقعية اقتصادية أو تكاملاً وظيفيًا حقيقيًا؟

خلاصة: تقاطعات التنافس والمكانة

في النهاية، يبدو أن المغرب، ورغم غيابه الظاهر عن مشروع الربط البحري الجزائري–القطري، لا يُقصى فعليًا من منظومة البحر المتوسط ولا من خريطة النقل الدولي، بل قد يُعزز هذا النوع من المشاريع موقعه كمركز مستقل، غير تابع للمحاور الظرفية.

لكن التحركات الأخيرة تفتح الباب واسعًا أمام تساؤلات حول طبيعة العلاقات الاقتصادية في المنطقة، ومستقبل الربط اللوجستي بين الضفة الشمالية والجنوبية للمتوسط، في ظل احتدام التنافس، ليس فقط حول الموارد، بل حول الرمزية والمكانة والنفوذ.