في خطوة مثيرة للجدل، لجأت الجزائر إلى توقيع عقد مع شركة “BGR Group“، إحدى أبرز شركات اللوبيينغ الأمريكية، في محاولة لتحسين صورتها في واشنطن ودعم مصالحها السياسية.
العقد الذي وُقع تحت إشراف السفير الجزائري لدى الولايات المتحدة، صبري بوقادوم، جاء بقيمة مالية سنوية تبلغ 720 ألف دولار أمريكي، مع تكاليف إضافية محتملة، وبدأ سريانه اعتبارًا من العاشر من شتنبر 2024.
هذه الخطوة لم تكن الأولى من نوعها؛ فالجزائر سبق وأن تعاملت مع شركات ضغط أمريكية لتحقيق مكاسب سياسية، خصوصًا فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية.
ولكن توقيع هذا العقد أثار استغراب المتابعين نظرًا لعلاقة “BGR Group” الوثيقة مع إسرائيل، ما يتعارض مع المواقف التي تتبناها الجزائر حول القضية الفلسطينية.
ازدواجية المواقف: دعم الفلسطينيين والتعامل مع شركة داعمة لإسرائيل
الجزائر طالما أعلنت دعمها الثابت للقضية الفلسطينية ورفضها لأي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل. فالنظام الجزائري يصف إسرائيل بـ”العدو الصهيوني” ويشدد على أنه لا يرغب في إقامة أي علاقات معها أو مع الجهات التي تربطها علاقات وثيقة بتل أبيب.
لكن التعاون مع “BGR Group“، التي دعمت إسرائيل علنًا وماليا خلال النزاعات الأخيرة في الشرق الأوسط، يعكس تناقضًا واضحًا بين الخطاب الرسمي الجزائري وما يحدث على أرض الواقع.
فوفقًا لمجلة “جون أفريك”، هذا التعاقد يثير الدهشة، خاصة أن الجزائر تسعى لتحسين صورتها أمام دوائر صنع القرار في واشنطن، فيما تستعين بشركة تدافع عن إسرائيل علنًا.
الشركة لم تخفِ تأييدها لإسرائيل أثناء الحرب، بل وصفت العمليات التي استهدفت الإسرائيليين في أكتوبر الماضي بأنها “إرهابية”، وهو موقف يخالف تمامًا ما تعلنه الجزائر من دعم للفلسطينيين.
لماذا تحتاج الجزائر إلى هذا التعاقد الآن؟
تزامن هذا التعاقد مع رغبة الجزائر في التقارب أكثر مع الولايات المتحدة، في وقت تسعى فيه الحكومة الجزائرية إلى تعزيز علاقاتها الدولية والبحث عن حلفاء جدد. هذا التعاقد قد يعكس محاولة الجزائر إعادة تموضعها في الساحة الدولية، خاصة مع التحديات الإقليمية والدولية التي تواجهها، مثل قضايا الحدود وقضية الصحراء المغربية.
الشركة التي تعاقدت معها الجزائر تصف نفسها بأنها “الأكثر فهماً لهيكل واشنطن وكيفية تأثير السياسات”، وهو ما يجعل الجزائر تعوّل عليها لتحقيق بعض المكاسب على الصعيد الدبلوماسي والتأثير على الرأي العام الأمريكي وصناع القرار.
الأهداف الحقيقية وراء التعاقد
يبدو أن أحد الأهداف الرئيسية وراء هذا التعاقد هو محاولة الجزائر التأثير على موقف الولايات المتحدة من قضية الصحراء المغربية. الجزائر سبق أن لجأت إلى مثل هذه الشركات لتحقيق ضغط على البيت الأبيض والكونغرس لدعم أطروحة “تقرير المصير”، وخلق بيئة ملائمة لصالح “البوليساريو”.
وفقًا لعدد سابق من جريدة “الصحيفة” المغربية، فإن الجزائر أبرمت عقودًا مماثلة في الماضي مع شركات ضغط أخرى، منها مؤسسة International Policy Solutions، التي تربطها علاقات وثيقة بنائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس. هذه العقود تهدف بشكل مباشر إلى التأثير على مواقف مشرعين أمريكيين ودفعهم إلى دعم الطرح الجزائري في النزاع حول الصحراء.
تاريخ الجزائر في التعامل مع “اللوبي” الأمريكي
تعتبر هذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها الجزائر إلى توقيع عقود مع شركات لوبي أمريكية. التقارير السابقة كشفت عن وجود 82 وثيقة تثبت ارتباط الجزائر بعدد من السياسيين الأمريكيين عبر عقود مدفوعة الأجر. هذه العقود كانت تسعى إلى التأثير على الرأي العام الأمريكي وتحقيق مصالح سياسية، خاصة في ما يتعلق بدعم الطرح الانفصالي في الصحراء.
لكن على الرغم من هذه المحاولات، لم تحقق الجزائر النتائج المرجوة، حيث أن الإدارة الأمريكية الحالية لم تظهر تغيرات جوهرية في موقفها من قضية الصحراء المغربية.
تناقضات تُعيق التقدم
بينما تسعى الجزائر لتحقيق مصالحها على الساحة الدولية عبر اللوبي الأمريكي، تواجه تحديات كبيرة بسبب التناقضات الواضحة في مواقفها.
فمن ناحية، تدّعي دعم القضية الفلسطينية وتهاجم إسرائيل بشكل علني، ومن ناحية أخرى، تتعاون مع شركات ضغط لها علاقات وثيقة بتل أبيب. هذه الازدواجية قد تجعل من الصعب على الجزائر تحسين صورتها بشكل فعّال في واشنطن أو تحقيق المكاسب التي تسعى إليها.
في نهاية المطاف، يبقى السؤال: كيف ستتمكن الجزائر من التوفيق بين خطابها الداخلي المعادي لإسرائيل وبين تحالفاتها الجديدة في الساحة الدولية؟