في سياق دبلوماسي معقد، تشهد العلاقات الجزائرية الإسبانية تطورات هامة بعد سنوات من التوترات الحادة بسبب الخلاف حول قضية الصحراء المغربية.
زيارة رئيس الوزراء الجزائري نذير العرباوي إلى إشبيلية للمشاركة في مؤتمر “تمويل التنمية” تعكس بوضوح محاولة الجزائر التخفيف من آثار عزلة دبلوماسية واقتصادية متزايدة، والسعي لترميم جسور مع شريك أوروبي استراتيجي.
الجزائر بين العزلة وضغوط الداخل: دافع إعادة المصالحة
لا يمكن فهم هذه الخطوة دون الوقوف عند واقع الجزائر الداخلي المعقد. التراجع الاقتصادي، وضرورة تنويع الاقتصاد بعيدا عن اعتماد الغاز، إضافة إلى الضغط الاجتماعي والسياسي المتصاعد، تجعل من استعادة علاقات متينة مع إسبانيا خيارا لا مفر منه. كذلك، يدفع التوتر المتصاعد مع فرنسا، التي اعترفت مؤخرا بسيادة المغرب على الصحراء، الجزائر إلى البحث عن توازنات جديدة مع أوروبا.
الضغط الداخلي… المحرك الصامت للانفتاح الجزائري
هذا الانفتاح لا يقتصر فقط على الجانب الدبلوماسي، بل يمتد إلى مجالات اقتصادية حساسة، كما يتجلى في رفع البنك المركزي الجزائري قيود التجارة مع إسبانيا وتوجهات لتعاون في مجالات اللوجستيات والطاقة المتجددة.
المغرب في قلب التوازنات: شريك لا يمكن تجاهله
في الوقت الذي تسعى فيه الجزائر لطي صفحة خلافها مع مدريد، يظل المغرب طرفًا محوريًا في هذه المعادلة، لا سيما مع تعزيز مدريد دعمها لمغربية الصحراء. العلاقات المغربية الإسبانية تتميز بعمق استراتيجي في مجالات متعددة:
-
مشروع أنبوب الغاز العكسي الذي يعزز أمن الطاقة في أوروبا.
-
التنسيق الأمني ضد الإرهاب في منطقة الساحل.
-
الشراكات الاقتصادية والموانئ التي تعزز التجارة العابرة بين المتوسط والأطلسي.
المغرب كفاعل حيوي في لعبة التوازن الأوروبي-المتوسطي
كل هذه العوامل تجعل من مدريد صعبة المساومة في ملف الصحراء، حيث تعتبر سيادة المغرب خطا أحمر لا يمكن تجاوزه في مفاوضاتها مع الجزائر.
هشاشة الدبلوماسية الجزائرية: المناورات على حافة العزلة
تجد الجزائر نفسها في موقع دبلوماسي هش، حيث توترت علاقتها مع باريس، تواجه مواقف متفاوتة في محيطها الإقليمي، وعلاقاتها مع تونس ليست في أفضل حالاتها. هذه الوضعية تزيد من ضغوطها لتخفيف العزلة عبر إعادة العلاقات مع مدريد، لكن مع الحفاظ على مواقفها الثابتة إزاء ملف الصحراء، مما يعكس ازدواجية في السياسة الخارجية.
الهشاشة الدبلوماسية الجزائرية… مناورات على حافة العزلة
الرهان هنا على استعادة القنوات مع أوروبا، دون دفع ثمن سياسي كبير في القضية الوطنية التي تبقى بالنسبة للجزائر “خطا أحمر” على حد تعبير قياداتها.
سؤال مفتوح: هل نحن أمام براغماتية جديدة أم مجرد ترميم مؤقت؟
يطرح هذا التقارب الجزائري الإسباني سؤالا جوهريا حول ما إذا كانت الجزائر تخوض تجربة تعديل إستراتيجي حقيقي أم أنها تقوم بخطوات تكتيكية مؤقتة:
-
هل ستتمكن الجزائر من الحفاظ على مواقفها السياسية دون التأثير على علاقاتها الاقتصادية؟
-
هل هناك نية لتجاوز الخلافات العميقة أم أن هذا التقارب محدود في نطاقه؟
-
كيف ستؤثر هذه التحولات على مستقبل الصراع المفتعل في الصحراء؟