الحركة الشعبية تعيد رسم خريطة النقد السياسي من الحسيمة: بيان يضع حصيلة الحكومة تحت مجهر التحليل ويستدعي تدخل الدولة لإنقاذ ثقة المغاربة

0
224

من الحسيمة، حيث يعقد حزب الحركة الشعبية مجلسه الوطني، اختار الأمين العام محمد أوزين أن يطلق واحدًا من أكثر بياناته السياسية كثافة ووضوحًا، ليس بوصفها مجرد “رد فعل حزبي” في لحظة سياسية مرتبكة، بل باعتبارها قراءة نقدية شاملة لأداء الحكومة الحالية، ومحاولة لإعادة ضبط النقاش العمومي عبر مساءلات جوهرية تتجاوز حدود التراشق الحزبي إلى عمق ما يعتمل في الدولة والمجتمع.

البيان، كما وصل إلى المغرب الآن، يمكن فهمه باعتباره نقطة تحول في تموقع الحركة الشعبية داخل الحقل السياسي؛ فهو لا يكتفي بتعداد ما يعتبره “إخفاقات حكومية”، بل يسائل منطق التدبير ومآلاته، وينبه إلى تشوهات بنيوية بدأت تترك أثرها على مؤسسات الدولة وعلى ثقة المواطنين.

منطق دولة أم منطق أغلبية؟

يبدأ أوزين بتفكيك سردية “النجاح الحكومي الباهر” التي تروّجها أحزاب الأغلبية. ومن خلال قائمة طويلة من الأمثلة، يقدّم ما يشبه خريطة لواقع سياسي واجتماعي مرتبك:

  • سياسات ضريبية تخدم المحظوظين لا الطبقات الوسطى والهشة.

  • تشريعات تُطبّع مع تضارب المصالح بدل محاربته.

  • اتساع غير مسبوق لما يسميه البيان “اقتصاد الفراقشية” في الفلاحة، الصيد البحري، النقل، الصحة، الإسكان، وحتى الإعلام.

  • تضخم خزينة الدولة عبر إرهاق جيوب المواطنين مقابل إنفاق بلا أثر اجتماعي واضح.

  • إضعاف المؤسسات المنتخبة وتذويب الأغلبية البرلمانية داخل الأغلبية الحكومية في خلط للأدوار وفقدان للمصداقية.

  • تحويل دورات المجالس الترابية إلى ساحات صدام بدل أن تكون فضاءات تدبير عمومي.

  • تعطيل ورش الجهوية المتقدمة، وتوجيه الاستثمار نحو مناطق محظوظة على حساب القرى والجبال والواحات.

البيان هنا لا يستعرض فقط اتهامات، بل يقدّم قراءة لبنية السلطة كما تتشكل اليوم: حكومة تزداد قوة عددية وتنفّذ سياسات مركزية، مقابل مؤسسات منتخبة تفقد وزنها وحضورها، وهو ما قد يقود إلى تساؤل عميق:

هل تتحول الديمقراطية التمثيلية إلى مجرد واجهة شكلية في ظل منطق هيمنة الأغلبية الحكومية؟

المدرسة، الصحة، وسؤال الدولة الاجتماعية

في محور التعليم والصحة، وهو الأكثر حساسية اجتماعيًا، يذهب البيان إلى مستويات تحليل مقلقة:

  • تصنيف المغرب في المرتبة 154 عالميًا في جودة التعليم.

  • “طبقية” المدرسة المغربية في التوزيع الجغرافي والفرص.

  • مستشفيات تُبنى بملايير الدراهم دون أثر فعلي، تحولت إلى “محطات عبور” أو—كما يقول النص—”مقابر”.

  • دعم اجتماعي مرتبك الرؤية، وفشل في ضمان تمويله باستدامة.

  • تمديد أزمة التقاعد، وتوظيف مقاربات محاسباتية مكان المقاربات الإصلاحية.

هنا تبرز زاوية تحليلية مهمة: هل تعاني الحكومة من فقر في الرؤية، أم من وفرة في التنزيل الخاطئ؟ وهل نحن أمام “نموذج تنموي” يتشكل أم أمام “سياسات تجريبية” بلا بوصلة واضحة؟

حين يتدخل الملك لتصحيح المسار

النقطة الجوهرية في البيان ليست في نقد الحكومة فحسب، بل في إبرازه تدخل المؤسسة الملكية لإعادة توجيه البوصلة، خصوصًا:

  • خطاب العرش وخطاب افتتاح البرلمان.

  • مخرجات المجلس الوزاري.

  • البرامج الملكية الموجهة للجبال والقرى والواحات.

  • التجاوب مع انتظارات شباب “جيل Z”.

هنا يضع أوزين سؤالًا ضمنيًا أمام الساحة السياسية:

هل نحن أمام حكومة فقدت المبادرة، فأصبحت الإصلاحات الكبرى تنتظر تدخل الدولة المركزية لتصحيح ما أفسدته السياسات القطاعية؟

الانتخابات.. الفصل 11 يعود إلى الواجهة

البيان يعلن صراحة تأييد الحركة الشعبية لسحب ملف الإشراف على الانتخابات من الجهاز السياسي للحكومة، انسجامًا مع الفصل 11 من الدستور الذي يمنح وزارة الداخلية هذه الصلاحية.

يبدو هذا الموقف أكثر من مجرد إعلان تأييد؛ إنه إشارة سياسية إلى خلل في الثقة بين الأحزاب، وإلى مخاوف من تسييس العملية الانتخابية في سياق هش.

القطيع.. مفارقة تكشف عمق الخلل

من أبرز لحظات البيان، الإشارة الساخرة – والقاسية – إلى مفارقة أن:

“رأس الغنم أصبح يعادل استفادة مواطن من الدعم المباشر.”

هذه الصورة لم تأتِ اعتباطًا؛ هي إدانة سياسية بليغة تستشف خلفها سؤالًا مركزيًا: كيف فقدت الدولة القدرة على بناء منظومة دعم عادلة، حتى أصبح الحيوان يستفيد أكثر من الإنسان؟

عودة الريف.. استدعاء الذاكرة والمصالحة

كون البيان صدر من الحسيمة ليس تفصيلًا عابرًا؛ أوزين يربط بين روح المقاومة في الريف، مسار المصالحات التاريخية، ومطالب الساكنة بالتنمية. وهو يستدعي العفو الملكي كأفق ممكن لاحتواء الاحتقان الاجتماعي، خصوصًا ملف معتقلي الريف وجيل Z.

هذه الإشارة تحمل بعدًا رمزيًا وسياسيًا قويًا:
الحركة الشعبية تتموقع كجسر بين الدولة والمجتمع، لا كفاعل انتخابي فقط.

المساءلة الأخيرة: هل ما زال الثلاثي الحزبي يستحق الثقة؟

في خاتمة البيان، يطرح أوزين السؤال الذي يبدو أنه جوهر رسالته:

هل يستحق الثلاثي الحزبي قيادة المرحلة المقبلة، بعد كل ما شاب تجربته من ارتباك، واحتكار، وفشل في إدماج الجهات والفئات الهشة؟

كما يربط ذلك برهان داخلي:
هل ستعود الحركة الشعبية بديلًا سياسيًا قادرًا على استعادة روحها التأسيسية ومكانتها في المشهد الوطني؟

خلاصة تحليلية

هذا البيان ليس مجرد لائحة اتهام لأداء حكومي، بل قراءة سياسية معمّقة لبنية السلطة كما تتشكل اليوم، ورسالة مزدوجة:

  1. للدولة: بأن منطق التدبير الحالي يهدد التماسك الاجتماعي ويضعف ثقة الناس ومصداقية المؤسسات.

  2. للأحزاب: بأن المشهد ينتقل نحو مرحلة جديدة تحتاج إلى بدائل، وإلى أحزاب تُدار برؤية لا بصفقات.

ومن الحسيمة—بكل رمزيتها—يعلن أوزين أن الحركة الشعبية ترى نفسها جزءًا من هذا البديل، لا مجرد مكمّل في معارضة صورية.