يعد ملف المحروقات في المغرب أحد أبرز القضايا التي تؤرق المواطن المغربي وتؤثر بشكل كبير على قدرته الشرائية، خاصة في ظل الارتفاع المستمر للأسعار وعدم وجود أي تحرك حكومي فعلي يخفف من وطأة هذه الزيادات.
ومع تزايد الغضب الشعبي بسبب الارتفاع المتواصل في أسعار المحروقات، تبرز تصريحات الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، باعتبارها تسلط الضوء على جوانب متعددة من الأزمة. يرى اليماني أن الحكومة المغربية تتخذ موقف المتفرج في وقت تتعرض فيه القدرة الشرائية للمواطنين لضغوط كبيرة بسبب أسعار المحروقات، التي لا تتناسب مع السوق الدولية ولا مع الدخل المحلي.
تحليل هذا الوضع يستدعي فهم حسابات اليماني وأرقامه وطرح الأسئلة الحاسمة حول مسؤولية الحكومة والفاعلين في القطاع.
ارتفاع الأسعار ومؤشرات الأرباح
وفقًا لحسابات اليماني، لو طبقت الحكومة مبدأ التسقيف الذي كان معمولًا به قبل نهاية عام 2015، لكان من المفترض ألا يتجاوز ثمن لتر الغازوال 9.83 درهم والبنزين 10.92 درهم، بناءً على أسعار السوق الدولية وصرف الدولار. لكن الواقع يعكس شيئًا آخر؛ إذ تجاوزت الأسعار في محطات التوزيع بالمغرب 11.80 درهم للغازوال و13.70 درهم للبنزين، مما يكشف عن أرباح إضافية تصل إلى درهمين أو أكثر للتر الواحد.
هذه الفجوة الكبيرة بين الأسعار الفعلية والمحتملة تعكس، بحسب اليماني، تحقيق الفاعلين في القطاع أرباحًا صافية فاحشة تصل إلى 8 مليار درهم سنويًا، وهو ما يطرح السؤال: إلى متى ستستمر الحكومة في التفرج على هذا الاستغلال؟ وهل هناك نية حقيقية لتدخل فعلي ينهي هذا الوضع؟
تحليل توزيع الأسعار: أين تكمن الأرباح؟
عند تحليل تركيب الأسعار الحالية، نجد أن 38٪ فقط من ثمن لتر الغازوال مرتبط بتكلفة النفط الخام، بينما توزع 60٪ الأخرى بين الأرباح (22٪) والتكاليف الضريبية والتكرير والنقل. هذا يعني أن أرباح الفاعلين تتجاوز نسبة معقولة، ما يفتح الباب أمام الحكومة لتخفيف العبء عن المواطن عبر تقليص هذه الأرباح ومراجعة الضرائب المفروضة.
لكن اليماني يشدد على أن الحل لا يكمن فقط في مراجعة أرباح الشركات، بل أيضًا في إعادة تفعيل تكرير البترول داخل المغرب من خلال إحياء شركة “سامير”، التي توقفت عن العمل منذ سنوات. إحياء هذه الشركة يمثل حلاً استراتيجيًا طويل الأمد للتقليل من التبعية للأسواق الدولية، لكن لماذا لا تتحرك الحكومة في هذا الاتجاه؟ وما هي الأسباب الحقيقية وراء إغلاق “سامير” وتعطيل دورها في تأمين حاجيات المغرب من المحروقات؟
إحياء شركة سامير: حل أم مجرد أمل؟
يرى اليماني أن أحد الحلول الممكنة لتخفيض أسعار المحروقات يتمثل في إحياء شركة سامير وتكرير البترول محليًا، بالإضافة إلى تخفيف العبء الضريبي على المحروقات. ورغم أن هذا الاقتراح قد يبدو منطقياً على الورق، إلا أن السؤال يطرح نفسه: لماذا لم تتخذ الحكومة حتى الآن خطوات جادة نحو تنفيذ هذا الحل؟
هل يعود السبب إلى عدم وجود توافق سياسي حول إحياء سامير، أم أن هناك عوامل اقتصادية معقدة تمنع تنفيذ هذا الاقتراح؟ وكيف يمكن أن ينعكس إحياء الشركة على الأسعار إذا ما تم تفعيله في المستقبل القريب؟
المسؤولية السياسية للحكومة
وفقًا لليماني، تتحمل الحكومة الحالية المسؤولية الأكبر في استمرار هذه الأزمة، معتبرًا أن رفع شعار “الدولة الاجتماعية” لا يتماشى مع السياسات المتبعة التي تفاقم من معاناة المواطنين. ارتفاع الأرباح الصافية للفاعلين في قطاع المحروقات وتوسع استثماراتهم وتزايد عدد المحطات، في وقت يعاني فيه المواطنون من موجة غلاء لا تنتهي، يعزز من اتهامات اليماني للحكومة بأنها تشجع، أو على الأقل تتجاهل، “سرقة جيوب المغاربة”.
هنا يتطلب الوضع توضيحاً حكومياً: لماذا تستمر الحكومة في السماح لهذه الأرباح الكبيرة في ظل هذا الارتفاع المستمر في الأسعار؟ وكيف يمكن أن تبرر سياساتها الاقتصادية في إطار مفهوم “الدولة الاجتماعية” الذي تتبناه؟
ضرورة التغيير
أمام هذه المعطيات، يبدو أن الوقت قد حان لاتخاذ قرارات جريئة تتعلق بمراجعة شاملة لملف المحروقات، بدءًا من تسقيف الأسعار والضغط على الفاعلين في القطاع لتقليص أرباحهم، وصولاً إلى إعادة النظر في السياسة الضريبية. كما يجب النظر بجدية في ملف “سامير” وإيجاد حل عملي لإعادة تشغيلها، لأنها يمكن أن تكون رافعة أساسية للحد من الزيادات المفرطة في الأسعار.
في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل تملك الحكومة الإرادة الحقيقية لاتخاذ خطوات إصلاحية جذرية؟ أم أن سياسة “التفرج” ستظل هي السائدة، بينما تستمر معاناة المواطن البسيط؟