الحكومة المغربية: بداية خريفية شبه مرتبكة وانطلاقة ربيعية/صيفية ثابتة وواعدة!

0
212

حكيم لمطارقي 

عندما نحاول رصد مسار ولادة حكومة عزيز أخنوش، يمكننا أن نتبنى المقولة الشهيرة: لكل مبتدئ دهشة! غير أن الدهشة هنا ليست بفعل الجديد الذي سيطلع عليه المرء أول مرة، ولكن بفعل حجم الملفات وثقلها وجسامة المخاطر المحيطة بها، فقد ترك السلف للخلف جبلا من الأسلاك المتشابكة، أفلا يستحق الأمر دهشة بل ترويعا يفقد السائق خط السير وبعض التوازن؟ 

كانت بداية حكومة عزيز أخنوش في شهر الخريف شتنبر، خريف وأي خريف هذا الذي أسقط حزبا عملاقا عدديا، إسمه العدالة والتنمية، أرضا بضربة مدوية سمع زفيرها في كل الأرجاء المحيطة بالمغرب.

مع خريف السنة الطبيعي، كان هناك خريف سياسي آخر لهذا الحزب، وبداية ربيع لأحزاب أخرى. وهل كان من السهل على حزب رئيس الحكومة وباقي الأحزاب المشكلة للأغلبية أن تنطلق بسهولة نحو إزالة ألغام عامت لسنوات في العمل الحكومي، وحالت للوصول بين مطالب الشعب وقدرات الدولة؟ الجواب هو لا.

فعشرية البيجيدي على رأس مؤسسة الحكومة، خلفت ثقافة تدبير تعمقت في الدولة والمجتمع، خلقت أسلوبا تواصليا “حلقويا”، صار إدمانا جماهيريا، خلقت يأسا نخبويا تحول إلى شك في الدولة، خلقت حلولا ترقيعية بعضها إعطاء صدقات للشعب بدل حلول هيكلية متأصلة تحفظ الكرامة، كما هو حال دعم الأرامل والأيتام، والأجر عند الله.

هكذا تعود عدد كبير من رواد التنظيمات الإسلامية، يفكرون في الأجر الأخروي وفي الصدقات بدل المنشآت الدنوية الإنسانية التي هي مفتاح الآخرة. 

ومع بداية زوال الدهشة، والارتباك التواصلي، وأمام سخونة الملفات التي ازدادت خطورتها مع حرب روسيا، انكبت الحكومة على تفعيل حلول سريعة منظورة النتائج على المدى القريب، وسارعت إلى توفير موارد إضافية لكبح جماح الازمات المتتالية، حسب ما يظهر من مؤشرات، فإن القطاعات العمومية أصبحت أكثر هجومية في الملفات الحارقة، وهذا ما نلاحظه من خطوات كثيرة عملية في محاولة إدخال المغاربة تحت مظلة الحماية الاجتماعية، وفي مساعدة المقاولات، وفي إعادة بناء جسور التعاون مع دول أجنبية كإسبانيا مثلا، وفي القيام بإجراءات تراهن على عودة السياحة بقوة وعلى إدماج اقتصادي حقيقي لأبناء المغرب المقيمين بالخارج، وفي دعم مهنيي النقل وغيرها كثير.

وبذلك فإنه يمكن القول، بعد خروج أعضاء الحكومة، وعلى رأسهم عزيز أخنوش، من دوامة المخلفات المتحورة الكثيرة، التي تلاقحت مع أوضاع الأزمات الحالية: كورونا، الجفاف، الحرب الروسية الأوكرانية، أن الحكومة أصبحت أكثر نضجا واقتناعا وإيمانا بضرورة التصدي للآثار المحدقة بالاستقرار الاجتماعي، مهما كانت التكلفة المالية. 

لذلك ينبغي تفهم مسألة نقص التواصل بشأن حقيقة الأزمات، لكونه سلاح ذو حدين، إما أن يخلق هذا التواصل المطلوب الهلع الشديد عندما يكشف حجم الأعطاب والجروح، وإما أن ينتج الأمل الوحيد والثقة في الحكومة وفي المستقبل، فلم يعد مسموحا أن يصلح عمل الحكومة موضوع تواصل سياسي إعلامي بهدف انتخابوي، وإنما تواصلها أصبح يفترض فيه أن يكون تواصل دولة مسؤولة، وتواصل أزمة محدود التفاصيل، التي لا يمكن أن تنشر كلها، وإلا زادت من تعميق الخوف والتراجع. 

لذلك فإن نقص التواصل ليس مرده إلى عدم القدرة، بالعكس هناك جيش عرمرم من المتحدثين والمتواصلين، يتحركون بمجرد إشارة واحدة، وإنما سبب الحذر التواصلي هو الهاجس النفسي بسبب حجم المخاطر التي ترقد تحت فراش الأرقام والمعطيات التي يشيب لها الولدان إن هي كشف عنها الحجاب.