دفعت الوضعية المتأزمة لصناديق التعاقد بالمغرب، الحكومة المغربية للدعوة لعقد الاجتماع الأول للجنة المكلفة بإصلاح نظام التقاعد، التي تم إحداثها في إطار تنفيذ مخرجات الاتفاق الاجتماعي والميثاق الوطني للحوار الاجتماعي، حضرها ممثلون عن القطاعات المعنية والمركزيات النقابية ومنظمات وجمعيات مهنية للمشغلين وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي والصندوق المغربي للتقاعد والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
وفي كلمة لها في افتتاح الاجتماع، أكدت وزيرة الاقتصاد والمالية المغربية، نادية فتاح، أن إصلاح نظام التقاعد يُمثل ورشا “استراتيجيا” يطمح إلى استكمال مسلسل طويل من الإصلاحات، مع وضع منظومة للتقاعد بقطبين، “عمومي” و”خاص”، بما يمكن من ضمان حقوق المنخرطين الحاليين والمستقبليين. وأوضحت أن إحداث هذه اللجنة نابع من إرادة الحكومة والنقابات والجمعيات المهنية للمشغلين إطلاق إصلاح لأنظمة التقاعد في إطار حوار مفتوح وبناء بين مختلف الشركاء.
ورحب ممثلو القطاعات المعنية والمركزيات النقابية والمنظمات والجمعيات المهنية للمشغلين، عن تطلعاتهم بخصوص أهداف هذا الورش، وتأييدهم لمنهجية عمل اللجنة والبرمجة الزمنية لأشغالها، والمدعوة للتوصل إلى سيناريو للإصلاح وخارطة طريق لتنزيله قبل الجولة المقبلة من الحوار الاجتماعي.
ووفق أرقام حكومية فقد وصل عدد المساهمين في صناديق التقاعد في العام ما قبل الماضي إلى 4.5 ملايين شخص، بانخفاض بنسبة 4.1 في المائة، مقارنة بعام 2019، وهو ما يعزى إلى تأثر سوق العمل في القطاع الخاص بتداعيات الجائحة.
ويصل عدد المستفيدين من معاشات التقاعد في المغرب إلى 1.5 مليون شخص، 69.4 في المائة منهم متقاعدون، و30.6 في المائة من ذوي الحقوق الممثلين في الأرامل واليتامى.
ولاحظت الهيئة الوطنية لمراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، أن الوضعية المالية لأنظمة التقاعد الإجبارية، سجلت عجزا في حدود 1.17 مليار دولار في العام ما قبل الماضي، مقابل 765 مليون دولار في 2019.
وكانت الحكومة شرعت في إصلاح الصندوق المغربي للتقاعد في 2016، حيث عمدت إلى الزيادة في مساهمات الدولة والموظفين الحكوميين المدنيين والرفع التدريجي لسن الإحالة إلى التقاعد من 60 إلى 63 عاما.
غير أن ثمة من يدعو إلى المضي بشكل أكبر في إصلاح نظام تقاعد الموظفين الحكوميين، فقد ذهبت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، عند ترؤس مجلس إدارة الصندوق المغربي للتقاعد أخيرا، إلى أهمية الانخراط في المرحلة الثانية لإصلاح منظومة التقاعد عبر إرساء القطب العمومي.
في هذا السياق، يؤكد العضو السابق في اللجنة الفنية لإصلاح التقاعد، محمد الهاكش، لـ”العربي الجديد”، أن موضوع الإصلاح قد طُرح في إطار لجنة وطنية تفرعت عنها لجنة فنية من أجل تصور السيناريوهات في هذا الصدد، غير أنه لم يُكشف عن الخيارات التي سيسلكها المغرب، إلا من كان مطالبا بالتوجه نحو إحداث نظام تقاعد حكومي وآخر يهم القطاع الخاص.
ويشدد الهاكش على أنه يتوجب عدم التركيز فقط على الجوانب ذات الصلة بعجز صناديق التقاعد من أجل التوجه نحو اتخاذ قرارات يمكن أن تؤثر على القدرة الشرائية للمتقاعدين في المستقبل.
ويعتبر العضو السابق في اللجنة الفنية لإصلاح التقاعد أن إصلاح أنظمة التقاعد يجب ألا يقتصر على رفع سن التقاعد أو الزيادة في المساهمات التي تستحضر فقط توازن الصناديق، بل يجب استحضار عدم خلق متقاعدين فقراء في المستقبل.
ووصل عدد الموظفين العموميين في العام الماضي إلى 570769 شخصا مقابل 566718 شخصا في العام قبل الماضي، حيث لم يعرف العدد ارتفاعا ملحوظا في العشرة أعوام الأخيرة، إذ أن عددهم بدأ في التراجع منذ 2016 بفعل اللجوء إلى التعاقد في التعليم وزيادة عدد المحالين إلى التقاعد.
يفيد تقرير صادر عن وزارة الاقتصاد والمالية حول الموارد البشرية في الوظيفة الحكومية، بأن نسبة الوظائف التي تم حذفها نتيجة الإحالة إلى التقاعد، تمثل 78 في المائة من الوظائف التي حذفت في العشرة أعوام الأخيرة.
ودأبت الحكومة في الأعوام الأخيرة على التشديد على المستوى المرتفع لأجور الموظفين، قياسا بالناتج الإجمالي المحلي، حيث وصلت بعد الأخذ بعين الاعتبار مساهمات الدولة برسم التقاعد وأنظمة الاحتياط الاجتماعي إلى 12.26 في المائة، أي 13 مليار دولار.
ويتجلى أن مبلغ مساهمات الموظفين المدنيين ومساهمات الدولة المشغلة في الصندوق المغربي للتقاعد، بلغ 2.7 مليار دولار في 2020، في الوقت الذي وصلت فيه معاشات التقاعد الموزعة إلى 3.5 مليارات دولار.
وكان رئيس الحكومة عزيز أخنوش، نبه بمناسبة مرور مائة يوم على تنصيب حكومته إلى أن صناديق التقاعد ستعاني من عجز في أفق الستة أعوام المقبلة، إذا لم يبادر إلى الإصلاح.
وأكد أن الظرفية المرتبطة بتداعيات الجائحة، لا تساعد مباشرة هذا النوع من الإصلاحات، غير أنه شدد على أن ذلك لن يمنعه من التصدي لهذا المشكل.