الحكومة تُغيّر الوجوه لا السياسات؟ … دينامية جديدة أم توزيع جديد للمناصب؟

0
114

في خطوة أقرّها اليوم الخميس مجلس الحكومة المغربي، تمّ تعيين عبد الله اشويخ مديراً للوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات (ANAPEC)، ضمن سلسلة من التعيينات في مناصب عليا تخصّ عدة وزارات. هذا القرار يستحق التأمّل في سياقٍ تتراكم فيه أرقام البطالة، وتتنامى فيه ظاهرة هجرة الكفاءات، ويطرح أسئلة عميقة حول فعالية السياسات العمومية في هذا المجال.

قراءة في القرار

  • يأتي التعيين في وقت تشهد فيه المملكة ارتفاعاً في معدّلات البطالة، وتراجعاً في نشاط الشباب، ما يجعل من موقع مدير ANAPEC موقعاً محوريّاً.

  • تجديد القيادة في هذه الوكالة قد يكون مؤشّراً على رغبة في «إعادة التشغيل» الرمزي: وكأن الحكومة تسعى إلى تغيير الوجه الإداري لجهة تُرى كثيراً كمُحتَوى وليس كمُحرّك.

  • لكن التعيين وحده، مهما كان ملفّ المُعيّن، لا يُعَدّ حلاً جوهرياً ما لم يصحبه إعادة نظر شاملة في السياسات، الأدوات، والإطار البنيوي لنظام التشغيل والتكوين المهني بالمغرب.

الوضع البنيوي – قراءة تحليلية

1. أرقام البطالة تُنبِئ بخطر

  • آخر المعطيات تشير إلى أن معدل البطالة الوطني ارتفع إلى نحو 13.3 % في 2024، بينما الشباب (15-24 سنة) يعاني من بطالة تصل إلى حوالي 36.7 % تقريباً. Drh+2Hespress+2

  • هذه النسب تؤكد أن الفجوة بين مخرجات التعليم وسوق العمل لا تزال عميقة، وأن النمو الاقتصادي ليس كافياً لتوليد فرص عمل ملائمة. Revues IMIST+1

  • البطالة بين خريجي التكوين المهني والتعليم الثانوي التأهيلي وصلت إلى نحو 23.9 % أو أكثر. Drh

2. هجرة الكفاءات – التسرّب والخسارة

  • المغرب يُعدّ بلد «مُصدّر» للهجرة: فقد سُجلت معدّلات هجرة مرتفعة بين الشباب والمُدرّبين والمكوّنين، بحثاً عن فرص أفضل. mre.gov.ma+1

  • التقرير الخاص بمهارات وهجرة الكفاءات يشير إلى أن ارتفاع مستوى التأهيل لا يُقابله سوق عمل يَحتضن الكفاءات. etf.europa.eu

  • هذا له تكلفة مزدوجة: خسارة للموهبة الوطنية وتفاقُم للضغط على البطالة المحلية، باعتبار أن بعض الكفاءات «تهجُر» بسبب إحباط أو بحثاً عن بيئة أكثر تحفيزاً.

3. التكوين المهني والتكوين العالي – فجوة بين التعليم وواقع الشغل

  • أحد أبرز الانتقادات المُوجَهة هو أن التكوين لا يتماشى مع متطلبات سوق العمل، فتُخرَج أجيال لا تجد ما يَستوعبها، أو تُوظّف في أعمال أقلّ من طموحاتها. cese.ma

  • هناك أيضاً عمل منخفض الكفاءة، وعُقود غير مستقرة، ما يُقلّل من جاذبية الوظيفة ومن تكاملها في مسار حياة الشاب المغربي.

ما المطلوب؟ – أسئلة مفتوحة ينبغي على السلطة-المخّطِطة أن تجيبها

  1. هل يُعدّ التعيين في ANAPEC تغييراً فعلياً في المنهجية أم مجرد تغيير رمزي في الأشخاص؟

  2. ما هو الإطار الزمني الذي تعتمده الوكالة الجديدة لتحقيق انخفاض ملموس في معدّلات البطالة، لا سيما لدى الشباب؟

  3. كيف سيتعامل المدير الجديد مع ظاهرة هجرة الكفاءات؟ هل هناك استراتيجية لاستيعاب الكفاءات الوطنية أو «منع تسربها»؟

  4. ما هي المعايير الحقيقية التي ستُستخدم لقياس أداء ANAPEC، وهل ستصبح مؤشرات التشغيل والتكوين أكثر شفافية ومساءلة؟

  5. في ظل التعدد الحكومي والوزارات المتدخّلة في التكوين – التشغيل – الهجرة – كيف سيتم تنسيق السياسات لضمان تكامل الجهود؟

  6. هل هناك إعادة نظر في مخططات التكوين المهني والتعليم العالي لتتكيف مع متطلبات الاقتصاد الوطني والعالمي؟

  7. ما مدى جاهزية الاقتصاد المغربي لاستيعاب الكفاءات العالية والبحث العلمي، بدلاً من كونها طيّ التصدير؟

  8. كيف يمكن أن يُدمج التكوين والتشغيل من جهة، والابتكار والمقاولة من جهة أخرى، حتى تتحوّل الكفاءات إلى رافعة حقيقية للنمو؟

  9. هل ستُفعّل آليات المشاركة المجتمعية – خاصة قطاعي الشباب والمقاولات – في صياغة الحلول؟

  10. كيف ستُراقَب الاستثمارات الخاصة والأجنبية فيما يخص خلق فرص تشغيل حقيقي للمغرب؟

خلاصة

التعيين الجديد لمدير وكالة التشغيل والكفاءات يُعدّ لَحظة مهمة، لكنه ليس كافياً بحدّ ذاته. ما نراه هو «إشارة» بحاجة إلى ترجمة إلى «برنامج عمل» واضح، يَضع حداً للبطالة العالية خاصة في صفوف الشباب، ويُواجه ظاهرة هجرة الكفاءات التي تُمثّل تهديداً حقيقياً للمستقبل.

إذا فشلت السياسات في تغيير الواقع، سيبقى التعيين – مهما يكن الشخص مؤهلاً – مجرد تغيير في «المقاعد» وليس في «المحتوى».

إننا أمام اختبار: هل يستطيع المغرب تحويل الكفاءات المنتَجة من التعليم والتكوين إلى طاقات مهنية منتجة ترفع الاقتصاد الوطني، أم أن العقدة ستبقى في ضعف الربط بين التكوين وسوق العمل، وتكرار «هدر الكفاءة»؟

وأدعو القارئ إلى الاعتبار بأن هذه المسألة ليست تقنية فحسب، بل ذات أبعاد اجتماعية وسياسية: فالبطالة، وتهميش الشباب، وهجرة العقول، هي كلها عناصر تؤثّر في الثقة بالمؤسسات، وفي استقرار المجتمع، وفي فرص المملكة في التحول والتنمية.