الحكومة عاجزة عن مواجهة “منظومة التربية والتكوين” والأزمة الاقتصادية…وتعلق فشلها على شماعة حكومة بنكيران والعثماني

0
346

في كل جلسة مساءلة رئيس الحكومة ، يجد وزراء وإخوان حكومة بنكيران السابقة أنفسهم ومن غير تدبير منهم متصدرين سدة المشهد الوطني، ويوقن كثيرون أن الحملة ضد العدالة والتنمية المغربي سلاح ذو حدين، حيث توفر دعاية مجانية لها، خاصة أن الغلاء الذي يلهب الجيوب والأبدان يجعل اي مقارنة بالماضي محفوفة المخاطر.. 

الرباط – قال حزب “التجمع الوطني للأحرار” إن قطاع التعليم تعرض لمحاولات إصلاح متكررة لم تخرجه من أزمته البنيوية.

وأشار فريق الحزب النيابي خلال جلسة مساءلة رئيس الحكومة، اليوم الاثنين بمجلس النواب، أن تلك المحاولات القريبة نوعا ما من “البريكولاج” لم تفاقم سوى أوضاع التعليم، وعمقت من أزمته.

واعتبر أن “قطاع التعليم العالي والبحث العلمي كان ضحية منذ سنوات لمجموعة من الحسابات السياسية والانتخابية، وبقينا لسنوات نسمع لمفهوم الإصلاح ولازالنا ننتظره”.

وأكد أن الحكومة الحالية تتوفر على كل الشروط والظروف والحاجيات للقيام بإصلاح عميق وهادئ لمنظومة التعليم العالي، دون أي هاجس آخر، سوى النهوض بوضعية الجامعة المغربية وإخراجها من النفق المظلم الذي توجد فيه، والتي لا يمكن مواجهتها إلا من خلال ثورة إصلاحية عميقة تستأصل مختلف الأعطاب.

ونوه بما وصفها بوادر الإصلاح الذي أعلن عنها رئيس الحكومة سواء فيما يتعلق بتحسين الوضعية المادية للأساتذة أو تجويد النظام الأساسي، وكذا دفتر الضوابط البيداغوجية التي تهم سلك الإجازة.

ماذا فعلت حكومتنا لمواجهة الأزمة الاقتصادية ؟ يجيب بلال التليدي في “القدس”: كانت رؤية التوازن، في حكومة ابن كيران، هي تقوية الدولة في جانب، والعناية بالطبقات الفقيرة والهشة من جانب، بحجة أن الطبقات الوسطى، التي تعرف دائما كيف تحتج وتدافع عن حقوقها، يمكن لها أن تصبر حتى تتحسن مؤشرات الدولة المالية والاقتصادية، وهي في الآن ذاته، تستفيد من توسيع شبكة المؤسسات الخدمية التي أولتها حكومة ابن كيران وحكومة سعد الدين العثماني بعدها عناية كبيرة.

السياسي الثاوي وراء هذه الرؤية، هو كسب ثقة الدولة، دون تضييع ولاء القاعدة الشعبية العريضة التي تمثل القاع الاجتماعي، مع الاشتغال التواصلي مع الطبقات الوسطى، لحملها على دفع ثمن الإصلاح وكلفته.

أخنوش: الحكومة تعاملت مع الأزمة باستباقية وستواصل الاستجابة لحاجيات المغاربة..الحكومة في واد والشعب في واد آخر

حكومة عزيز أخنوش، لم تبتعد هي الأخرى عن قصد تحصين التوازن الماكرو اقتصادي لمالية الدولة الذي ورثته عن حكومة سعد الدين العثماني، لكنها انزاحت إلى تصور آخر، يرى أن دفع النمو بتشجيع رجال أعمال، سيعزز وتيرة التشغيل، وسيكون حل المسألة الاجتماعية من هذه البوابة لا من بوابة الدعم الاجتماعي، ووجدت في توجيهات الملك بتعميم الحماية الاجتماعية، مندوحة عن القيام بأي جهد في اتجاه الطبقات الوسطى ولا الطبقات الدنيا.

والمشكلة، أن هذه الرؤية التي لها ما يدعمها في نظريات الاقتصاد، جاءت في سياق أزمة عالمية، أصبحت فيها الهشاشة مصدر تهديد حقيقي للسلم الاجتماعي، بل أصبح أي عجز عن تأمين القوت، مؤذنا بأزمة اجتماعية ومالية ونقدية أيضا، فقد ساهمت الحرب الروسية على أوكرانيا في تعقيد الوضعية الاجتماعية، وخفض القدرة على تحمل كلفة المعاش اليومي، كما ساهم تراكم الجفاف، في رفع الحماية عن الطبقات الفقيرة والهشة، التي كان قوتها اليومي المحصن، يغنيها عن تكثيف طلبها على الخدمات الاجتماعية الأخرى، مثل الصحة والتعليم والسكن.
حكومة أخنوش، تبنت رؤية مختلفة عن التي تبنتها حكومة سعد الدين العثماني، التي قدمت الدعم الاجتماعي للطبقات الهشة خلال جائحة كرورنا، فاتجهت حكومة عزيز أخنوش على العكس من ذلك، إلى وضع هذه الطبقات أمام واقع التضخم وانفلات الأسعار، واتجهت نحو رجال الأعمال بحجة دعم الاستثمار لتحقيق النمو وخلق فرص الشغل.

واقع هذه الرؤية، انتهى إلى تقوية مالية الدولة، وإرضاء نخب المال والأعمال، وفي المقابل، تهديد التوازن الاجتماعي، من خلال تسريع تهاوي الطبقات الوسطى، وتغير التحدي لدى الطبقات الدنيا، من تلبية الخدمات الاجتماعية، إلى تهديد القوت اليومي.

السياسي، الثاوي وراء هذه الرؤية، أن تقوية مالية الدولة بعدم السماح بأي شكل من الأشكال بخفض الضرائب على المواد المستوردة بغرض التحكم في التضخم وخفض الأسعار، كان يسعى إلى كسب شرعية الدولة وتوفير موارد تساعدها على مواجهة تحدياتها الدبلوماسية والدفاعية، والتوجه نحو رجال المال والأعمال، الذي كان القصد الظاهري منه، هو تسريع النمو لخلق فرص الشغل، لكن الواقع، يؤكد بأن هذا التوجه أملته التركيبة السوسيولوجية لأحزاب التحالف الحكومي التي تتكون في الأصل من نخب المال والأعمال.

بيان ذلك، أن هذه النخب التي تشكل البنية الأساسية لحزب الأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة، وبنسبة أقل حزب الاستقلال، تجد اليوم الفرصة مواتية، للضغط على قيادات أحزابها من أجل تحقيق أكبر قدر من المكاسب، لأنها تدرك أن الحكومة تفقد للقوة السياسية التي تقاوم بها نخبها من الداخل، لسبب بسيط وهو أن توازن الأحزاب من الداخل، يقوم أصلا على تلبية حاجيات نخب المال والأعمال، وأن أي إخلال بهذا التوازن، يعني مغادرة هذه النخب وترحالها السياسي لأحزاب أخرى.

أحزاب الأعيان، أو أحزاب نخب المال والأعمال، تنطلق دائما من مسلمة مجربة بخصوص مكونات المجتمع ودورهم الانتخابي، فهذه المكونات في تصورها تتبع المال، ويمكن في اللحظة الانتخابية التأثير عليها وإزالة السياسي، أو بالمعنى الأدق، تحييد «العقابي» من سلوكها الانتخابي، ولذلك، تتوجه هذه الأحزاب دائما إلى دعم نخب المال والأعمال بدل جعل المسألة الاجتماعية في قلب اهتماماتها، لأن تجربتها السابقة، تبين لها حدود دور المال ونفوذ رجال الأعيان ورجال المال في تكييف السلوك الانتخابي.

في انتخابات 2011 و2016، كانت النتائج الانتخابية، على عكس هذا التمثل المجرب الذي تحمله أحزاب نخب المال والأعمال، لكن تفسيرها للحدث الأول، احتج بإرادة الدولة، وأنها هي التي سمحت بفوز الإسلاميين كما سمحت من قبل بفوز الاتحاديين لما كان القصد أن يخوض المغرب تجربة التناوب، لكنها فضلت أن تتجاوز الحدث الثاني، وتمتنع عن تفسيره، لأنها لم تكن متيقنة من إرادة الدولة، بعد ظهور مؤشرات قرئت في سلوك الدولة على أن حزب العدالة والتنمية لم يعد مرغوبا فيه.

ولذلك، يسود نوع من الاضطراب في تقدير أحزاب التحالف الحكومي لمزاج الدولة حاليا، وبالتالي شكل الاشتغال مع الأزمة، فحزب الاستقلال، يسارع الخطى من أجل إقناع الحكومة بتسريع الدعم الاجتماعي للفئات الهشة، لكن أحزاب نخب المال والأعمال، ترى أن إرادة الدولة، لا تزال داعمة لها، وأن أي تحول في الظروف الدولية والإقليمية، سيعيد الأمور إلى نصابها ويضفي على رؤية حكومة أخنوش بعض الحيوية.