الحكومة في مواجهة اللَّايَقِينْ وتداعيات تَأْثِيرْ الفَرَاشَة

0
221
عبد الله حتوس

« En politique, il n’y a pas de convictions, il n’y a que des circonstances » Charles Maurice de Talleyrand.

بعد دعوات إلى الاحتجاج بسبب الغلاء وارتفاع الأسعار وصلت حد نشر بعض الجهات لهشتاغات تدعو إلى رحيل رئيس الحكومة، خرج السيد عزيز أخنوش عن صمته يوم الثلاثاء 22 فبراير الماضي، بعد أن ظهر في  لقاء مع الصحافة، وإلى جانبه حليفيه في الحكومة، من أجل طمئنة المغاربة وبسط التدابير الحكومية للحد من غلاء الأسعار. 

كل من تابع  لقاء زعماء الأغلبية مع الصحافة يدرك أن الأمور على قدر كبير من الصعوبة، رغم حرصهم على طمئنة المغاربة من خلال التأكيد على أن الحكومة ملتزمة بتنفيذ كل ما تعاقدت بشأنه في برنامجها الحكومي، وكأن حال لسان الأغلبية يقول : لا يا شارل موريس تاليرون، السياسة قناعات ونحن متشبثون بقناعاتنا ولو كانت الظروف في غير صالحنا. نعم، اختارت الحكومة زرع الأمل رغم كل الصعوبات ولها الحق في ذلك؛ أن تحكم يعني أنك تملك الاختيار كما قال أحد الساسة الفرنسيين : 

“Gouverner, c’est choisir, si difficiles que soient les choix. “

اختارت الحكومة، إذن، بلورة خطاب مطمئن يزرع الأمل في النفوس، رغم أن ذاكرة الشعوب والتجارب الدولية المقارنة تحيل إلى أنه من بين الأخطاء الشائعة في تواصل الحاكمين مع الرأي العام في وقت الأزمة، طمئنة الناس من خلال الإدعاء أن كل شيء تحت السيطرة، لأن ذلك يعني أن الحل في المتناول رغم التقلبات والاضطرابات وفوضاها في عالم اللايقين الذي نعيشه فيه، كما وصفه الفيلسوف الفرنسي إدغار موران، الذي أكد في غير ما مرة على  أن  وجودنا على قيد الحياة مغامرة داخل اللايقين.

  قلة من الدول تستطيع بناء جزر لها  تسيجها بما يلزم من اليقين في عالم اللايقين، والمغرب مع الأسف الشديد ليس في قائمة هذه الدول، لأن منسوب الهشاشة الذي تراكم منذ ما يزيد عن أربعة عقود له تاثير سلبي كبير على قدرة بلادنا على امتصاص الصدمات الاقتصادية، كما يؤكد ذلك ترتيب المغرب في مؤشر المرونة العالمي المحين   -L’indice de résilience-  الذي يقيس قدرة الاقتصاد الوطني على مواكبة التغيرات الطارئة وقدرته على امتصاص الصدمات الناجمة عن تقلبات الأسواق العالمية.

لقد اختارت الحكومة زراعة الطمأنينة والأمل في نفوس الجماهيرالتي استبد بها القلق، رغم أنه حدثت تغيرات كبيرة في المعطيات الأولية التي اعْتمِدَ عليها في بلورة البرنامج الحكومي، فالموسم الفلاحي تحت تاثير شح الأمطار وندرة الموارد المائية، علما أن بلادنا ما زال يحق فيها ما قاله الماريشال ليوطي “Gouverner c’est pleuvoir “، أما أسعار المحروقات فقد وصلت إلى مستويات لم يتنبا بها أحد. نعم، اختارت الحكومة أن لا تقول للجماهير ما سيزرع الهلع في النفوس، وقد تكون على حق، لكن اختيارها ذاك لا يلغي كون بلادنا تواجه اللامتوقع وتأثير الفراشة.

يحيل تأثير الفراشة ” The butterfly effect ” إلى مصطلح أدبي استعمله عالم الأرصاد الجوية “إدوارد لورينز” عام 1963 لوصف الترابط والتأثير المتبادل أو المتواتر والناتج عن فعل تافه، بمعنى أن فعل بسيط جدا يمكن أن تنتج عنه سلسلة أحداث متتابعة ومترابطة، ففي لعبة الدومينو، مثلا، ينتج عن دفع قطعة واحدة سقوط كل القطع تباعا، أما كرة ثلج صغيرة من فوق جبل جليد فيمكن أن يسبب تدحرجها انهيارا ثلجيا ودمارا هائلا؛ فالكثير من أسوإ الكوارث في العالم لم يكن وراءها إلا تصرف بسيط من شخص لا يدرك أن تصرفه يمكن أن يدمر حياة الآلاف من البشر.

في كتابه “نظرية الفوضى – علم اللامتوقع” أشار الكاتب الأمريكي “جيمس غليك” إلى أن الأشياء التي تغير العالم وفقا لنظرية الفوضى هي الأشياء الصغيرة، فرفة جناح فراشة في الهند يمكنها أن تحدث فيضانات في غابة الأمازون؛ هناك، إذن، خيط غير مرئي في الكون يربط كل قراراتنا معا ويحولها إلى تداعيات، ومع العولمة أصبح الخيط خيوطا، إلى الحد الذي حبس فيه العالم الأنفاس لمجرد نشوب نزاع مسلح بين الإخوة الأعداء في روسيا وأوكرانيا.

ما يجري بأوكرانيا له تداعيات كبيرة على ما يجري هنا بالمغرب وفي الكثير من دول العالم، الجميع ينتظر ما سيقرره الرئيس الروسي وما سيرد به زعماء حلف شمال الأطلسي، فبوتين لا يحكم فقط روسيا بل قراراته تؤثر على قرارات كل حكومات العالم. كلفة رغيف الخبز بالمغرب مرتبطة بما يجري هناك، كل شيء في يوميات المغاربة يسير على إيقاع الصراع بين روسيا ودول حلف شمال الأطلسي؛ فالمغرب يستورد تقريبا كل ما يستهلكه من المحروقات، كما أنه من بين أكبر عشر مستوردين للقمح الاوكراني.

ما يجري بأوكرانيا كارثة جيوسياسية لم يشهد العالم مثيلا لها مند أزمة خليج الخنازير سنة 1962، ولا أحد يمكنه التكهن بتداعياتها؛ يمكن لبوتين أن يعلن الحرب متى شاء، لكن لن يكون بمقدوره إعلان نهايتها إلا متى استطاع إلى ذلك سبيلا، وفي انتظار ذلك سيعيش الجميع تحت رحمة تداعياتها، وقد تستنزف تلك التداعيات، لا قدر الله، قدرة الحكومة المغربية على تدبير تموجات المزاج المتحرك للجماهير المستاءة من تدهور قدرتها الشرائية.

رفة جناح فراشة في الكرملين  قد تثير زوابع ضخمة بالمغرب.