على الرغم من أن رئيس الحكومة عزي أخنوش، روج خلال بداية ولايته إلى أنه لن يعتمد على الاستدانة، إلا أن الأرقام الحالية تؤكد أن المغرب يسير في اتجاه معاكس تماما، إذ كشفت وزارة الاقتصاد والمالية أن حجم الديون المتراكمة على عاتق المملكة تجاوز تريليون درهم.
ووصل دين الخزينة، إلى حدود نهاية الثلث الأول من ستة 2023، ترليون و5 مليارات درهم، وخلال عام واحد شهد ارتفاعا بقيمة 100 مليار درهم، وأضحى يعادل 78 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، ويمثل الدين الخارجي ربع هذا الرقم.
قد يعتقد البعض أن الاقتراضَ دائمًا ما يكون آخرَ حلٍّ حاسمٍ من أجل تجاوزِ أزمةٍ ماليةٍ وضائقةٍ تَعْصِفُ بخزينةِ حكومةٍ أو مؤسسةٍ أو غيرهما؛ لكنَّ تاريخَ الديون المالية يشهد بنقيض ذلك، خصوصًا عندما يتحول الاقتراض من مشروع حَلٍّ إلى مشكلة في حد ذاتها.
في التاريخ الحديث والمعاصر للدولة المغربية، يجد المؤرخون والمهتمون بالشؤون الاقتصادية أنفسَهم أمام سلسلةٍ من القروض والديون، اختلفت ظروفُها ودوافعُها ونتائجُها.
الرباط – وافق المجلس الإداري لمجموعة البنك الأفريقي للتنمية BAD على تمويل قدره 149 مليون أورو لتنفيذ برنامج لدعم تعميم التغطية الاجتماعية من أجل تشغيل أفضل (PAGCS) “المرحلة الثانية”.
ويأتي هذا المشروع في إطار ترسيخ أسس الدولة الاجتماعية التي بدأها المغرب حسب تصريح البنك الأفريقي للتنمية في بلاغ صادر عنه للمناسبة. ويهدف هذا البرنامج، الذي سيستفيد منه العمال غير الأجراء والمقاولون الذاتيون، والمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، والهياكل التعاونية في جميع أنحاء االمملكة، إلى تسهيل الانتقال من القطاع غير المهيكل إلى الاقتصاد المهيكل وتعزيز إحداث مناصب شغل مستدامة، يوضح المصدر نفسه.
ووفقًا للبنك الأفريقي للتنمية، يتكون البرنامج من عنصرين، الأول يتعلق بتوسيع الحماية الاجتماعية وتعزيز مناصب الشغل المستدامة، ويركز الثاني على الدعم لتحقيق التغطية الصحية الشاملة.
وتتعلق النتائج المتوقعة بإحداث مناصب شغل لفائدة الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم خلال جائحة كورونا، والذين يجدون صعوبة في الولوج إلى سوق الشغل، تحديدا النساء المستفيدات من التكوين المهني على وجه الخصوص.
وتهدف هذه العملية أيضًا إلى توفير التغطية الصحية الأساسية لـ 90ù من السكان بحلول 2025 (مقارنة بـ 74.2 % في 2021)، واعتماد مجموعة من القوانين التي تعيد تنظيم تقديم الرعاية، مع تعزيز حوكمة القطاع، من أجل تلبية الاحتياجات الصحية المتزايدة للسكان في المناطق الحضرية والقروية.
وفي الوقت نفسه، يشير بنك التنمية الأفريقي إلى أن الآثار المجتمعة للأزمة الصحية والضغوط التضخمية أبرزت الحاجة الملحة لتعزيز الإدماج الاجتماعي والاقتصادي، من خلال التركيز على ريادة الأعمال، على وجه الخصوص.
الحماية الاجتماعية وصندوق النقد الدولي في المغرب
شارك المغرب الذي ركز عليه هذا المشروع، في اتفاقات قروض مع صندوق النقد الدولي في السنوات الأخيرة. والواقع أن السرعة التي تمت بها هذه الاتفاقات زادت بشكل كبير منذ التمزق السياسي لسنـة 2011. وعادة ما ترتبط هذه الاتفاقات بمجموعة من الشروط، تتعلق أساسا بضبط الأوضاع المالية وخفض الإنفاق العمومي. وفي الوقت نفسه، ركزت برامج الإصلاح الاقتصادي على نفس النتائج من خلال الاعتماد على خبرة المؤسسات المالية الدولية والالتزام بالاقتصاد الكلاسيكي الجديد. وقد فشلت هذه الإصلاحات في تحقيق أهدافها لغالبية الشعب. ويعزى ذلك إلى اتساع الفجوة في الثروة والدخل، فضلا عن استمرار جولات الاحتجاجات الاجتماعية والاقتصادية.
وفي ظل حالة يستمر فيها التقشف وزيادة الديون في إثقال كاهل ميزانيات الدولة، كيف يمكننا العمل من أجل توفير حماية اجتماعية أكثر شمولية وادماج وملاءمة؟ ما هي سرديات الحماية الاجتماعية التي تحتاج إلى تغيير؟ سيعمل المشروع على إجراء دراسات أكاديمية لجمع أدلة جديدة وسرديات رقمية لإشراك أكبر عدد ممكن من الناس في المناقشات والمنتديات وورشات العمل لجمع أصحاب المصلحة المعنيين.
وقد كشفت الجائحة عن ضعف الحماية الاجتماعية في المنطقة، ولكنها فتحت أيضا فرصة تاريخية لمناقشة توسيع نطاق تغطية الحماية الاجتماعية.
وفي مارس الماضي أعلنت نادية فتاح العلوي، وزيرة الاقتصاد والمالية، أن المغرب طرح سندات بقيمة 2,5 مليار دولار في السوق المالية الدولية، وذلك مباشرة بعد أن قررت مجموعة العمل المالي إخراج المملكة من مسلسل المتابعة المعززة أو “اللائحة الرمادية”.
وبعدها بشهر واحد، وتحديدا في أبريل الماضي، أعلن صندوق النقد الدولي أن مجلسه الإداري وافق على منح الرباط خطا ائتمانيا مرنا بقيمة 5 مليارات دولار، كإجراء احترازي من أجل “تعزيز الاحتياطيات الوقائية الخارجية للمغرب وتقديم ضمانات ضد أي مخاطر متطرفة محتملة على أساس مؤقت”، وذلك أمام تحديات تقلب أسعار المواد الأولية وتوالي فترات الجفاف.
لا نتائج ملموسة لوعود للحكومة الحالية و السابقة
في سياق متصل ، بيّن وزير المالية والاقتصاد المغربي السابق محمد بنشعبون إلى “أن “التغطية الاجتماعية استثمار مجتمعي بمردودية أكيدة على المدى البعيد” موجه بالأساس لحماية الفئات الفقيرة والهشة والأسر ذات الدخل المحدود، ضد مخاطر الطفولة والمرض والشيخوخة وفقدان الوظائف”.
ولفت بنشعبون أن هناك 14 مليون مغربي موظف أو أجير في القطاع المهيكل يستفيد من التغطية. وهو ما يتطلب برمجة لتعميم التغطية الاجتماعية لتشمل 22 مليون مستفيد، ستشمل تكاليف العلاج والعمليات الجراحية والأدوية.
وسيستفيد 11 مليونا من المهنيين والتجار والمزارعين والصناع التقليديين وأصحاب المهن الحرة من التأمين الإجباري الأساسي على المرض بنفس الخدمات وسلة العلاجات التي يستفيد منها الأجراء في القطاع الخاص حاليا.
من جهته، رأى بنشعبون، بحلول عام 2023 -العام الجاري -سينطلق تعميم التعويضات العائلية المرتبطة بالأطفال دون سن الـ21 والتعويضات الجزافية للذين دون أطفال، وذلك مع إطلاق عدد من الإصلاحات التي تمهد للأمر من خلال توفير الميزانية اللازمة التي ستتطلب بدورها فتح ورش موازية لإصلاح أنظمة صندوق المقاصة.
كما ستعمل الحكومة على توسيع الانخراط في أنظمة التقاعد لكل المغاربة ذوي الأنشطة في القطاع الخاص في عام 2025 والبالغ عددهم 5 ملايين مغربي، كما سيتم التعويض عن فقدان الشغل ليشمل كل شخص له شغل قار من خلال تبسيط شروط الاستفادة من هذا التعويض وتوسيع الاستفادة منه.
وفي تفصيل التكلفة المالية فإن 1.5 مليار دولار ستخصص للتغطية الصحية، ونحو 2.2 مليار دولار للتعويضات العائلية التي ستهم 7 ملايين طفل و3 ملايين أسرة، بينما سيخصص مبلغ 1.7 مليار دولار لتوسيع قاعدة المنخرطين في نظام التقاعد، وحوالي 111 مليون دولار للتعويض عن فقدان فرص العمل.
لقجع: دعم 7 ملايين طفل و ثلاثة ملايين أسرة فقيرة سيتم نهاية 2023″شرط الاشتراك في نظام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؟!
وستمتد إجراءات تنفيذ المشروع على مدى خمس سنوات في إطار ثلاث مراحل وسيتم تمويله عبر موارد مالية متعددة المصدر بما فيها المشاركات والمساهمات التضامنية وموارد إصلاح صندوق المقاصة والميزانية العامة.
ويعتمد تمويل هذا الإصلاح على آليتين، تهم الأولى الاشتراك (3.1 مليار دولار) بالنسبة إلى الأشخاص الذين تتوفر لديهم القدرة على المساهمة في تمويل التغطية الاجتماعية، فيما تقوم الثانية على التضامن (2.5 مليار دولار) بالنسبة إلى الأشخاص الذين لا تتوفر لديهم القدرة على المساهمة في التمويل.
كما تضمنت الوعود، بحسب محمد بنشعبون ، أن الدولة ستأخذ على عاتقها دفع المستحقات للحفاظ على نظام الحكامة، انطلاقا من دفع 6.3 في المئة من المساهمة التي تقدم للصندوق على أساس الحد الأدنى للأجور، عن كل الأشخاص الذين لا تتوفر لهم القدرة على المساهمة، خاصة المستفيدين من راميد (نظام المساعدة الطبية).
كما سيتم توفير الموارد المالية لآلية التضامن من المخصصات المالية من ميزانية الدولة والعائدات الضريبية المخصصة لتمويل الحماية الاجتماعية والموارد المتأتية من إصلاح نظام المقاصة والهبات والوصايا، وسيتم ضبط كل هذه الموارد في حساب مرصد لأمور خصوصية محدث لهذا الغرض.