إعداد وصياغة تحليلية لمضمون البيان الأصلي الذي كتبه عبد الرحيم الرماح، رئيس المنتدى المغربي للتنمية الاجتماعية
يشكّل الحوار الاجتماعي في المغرب أحد أعمدة التوازن المؤسساتي بين الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين، وقد راكم منذ عشرينيات القرن الماضي إلى اليوم مائة سنة من التفاعل والتراكمات، كان فيها العامل النقابي، والمؤسساتي، والمدني فاعلًا رئيسيًا في صوغ معالم العلاقة بين الدولة والمجتمع، خاصة على مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
في هذا الإطار، يعيد عبد الرحيم الرماح، رئيس المنتدى المغربي للتنمية الاجتماعية، تركيب مشهد الحوار الاجتماعي من زاوية شمولية، تتجاوز الطابع المطلباتي الضيق إلى مقاربة تستحضر دور الحوار كآلية لإنتاج العدالة الاجتماعية، وتعزيز الديمقراطية، وضمان استدامة التنمية.
من مطلب نقابي إلى رهان وطني شامل
في تحليل الرماح، لم يعد الحوار الاجتماعي محصورًا في التفاوض حول تحسين الأجور أو ظروف العمل، بل صار فضاءً مفتوحًا لتقاطع رهانات أوسع تشمل إصلاح منظومة الوظيفة العمومية، توسيع الحماية الاجتماعية، حماية الحريات النقابية، وتجويد التشريعات ذات الصلة بعالم الشغل.
فالرهان اليوم، كما يبيّن صاحب البيان، يتجاوز الأطراف التقليدية الثلاثة (الحكومة، النقابات، الباطرونا)، ليطال أيضًا مكونات المجتمع المدني، والهيئات المهنية، والأكاديمية، والحقوقية، بما يجعل من الحوار الاجتماعي أفقًا تفاعليًا واسعًا لا مجرد إطار تفاوضي تقني.
يشير الرماح إلى أن الحكومة تتحمل مسؤولية محورية في إنجاح الحوار، من خلال تفعيل مختلف مستويات وآليات التشاور (اللجنة العليا، اللجان الموضوعاتية، حوار الجهات، القطاع العام والوظيفة العمومية…)، ومن خلال الوفاء بالتزامات اتفاق 30 أبريل 2022 وما سبقه.
في المقابل، لا يُعفي البيان النقابات من دورها التاريخي والاقتراحي، داعيًا إلى تجديد العمل النقابي، وتعزيز التنسيق الوحدوي بين مختلف الفاعلين النقابيين، لتقوية وزنهم التفاوضي وتوسيع نطاق تأثيرهم.
أما الاتحاد العام لمقاولات المغرب (CGEM)، فيُنتظر منه، بحسب الوثيقة، الانخراط في منطق “رابح-رابح”، عبر المشاركة الفعالة في إصلاحات هيكلية، كدمج القطاع غير المهيكل، وتحسين شروط العمل، والمساهمة في تحفيز الاقتصاد الوطني.
القطاع الفلاحي: معضلة غائبة في أجندة الحوار
يرصد الرماح مفارقة لافتة تتمثل في تطور القطاع الفلاحي من حيث التحديث والتنظيم، مقابل استمرار الهشاشة الاجتماعية للعمال الزراعيين، خاصة في ما يخص الحماية الاجتماعية، وتأمين شروط العمل، وتكرار الحوادث المهنية، وهو ما يجعل من إشراك “الكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية” عنصرًا ضروريًا لتوسيع طاولة الحوار.
نحو حوار اجتماعي شامل: المجتمع كفاعل لا متفرج
من أبرز ما يقترحه الرماح في بيانه هو فتح الحوار الاجتماعي ليشمل فاعلين غير تقليديين: الأحزاب، الجمعيات الحقوقية، النقابات المهنية، هيئات المحامين، جمعيات حماية المال العام، الجامعات، المجتمع المدني، وحتى الإعلام، باعتبارها مكونات قادرة على الإسهام في تأطير النقاش المجتمعي وتوجيه السياسات العمومية.
ولتأطير هذا الانفتاح، يدعو إلى تأسيس لجنة تنسيقية بين هذه الأطراف الجديدة، تشتغل وفق جدولة زمنية محددة، وبرامج عمل مهيكلة، ما يسمح بإرساء حوار متعدد الأبعاد أكثر عمقًا وشمولًا.
خاتمة: من أجل عدالة اجتماعية مستدامة
في نهاية المطاف، يُقدِّم عبد الرحيم الرماح تصورًا للحوار الاجتماعي ليس كأداة لحل النزاعات، بل كرافعة استراتيجية لتحقيق السلم الاجتماعي، والعدالة الاقتصادية، والتنمية المتوازنة. وهو تصور يفتح آفاقًا جديدة أمام المغرب، إذا ما أُحسن تفعيله، وجرى استثماره في إطار حكامة تشاركية مسؤولة، تضع المواطن في قلب السياسات العمومية.