الحوار الاجتماعي والحماية الاجتماعية: هل تتحول طاولة التفاوض إلى أداة لإعادة التوازن الاجتماعي والاقتصادي؟

0
1052

في خضم التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها المغرب، تتجه الأنظار نحو مؤسسة الحوار الاجتماعي ليس فقط كآلية لحل النزاعات، بل كرافعة استراتيجية لتعميم وتقوية الحماية الاجتماعية للأجراء. فهل نعيش لحظة مفصلية تفرض إعادة تعريف وظائف هذا الحوار بما يتجاوز الطابع الموسمي والوظيفي إلى دور بنيوي يضمن الحماية والكرامة ويعيد الثقة في المؤسسات؟

أبعاد متعددة للحماية الاجتماعية في صلب الحوار: من خلال ما تطرق إليه عبد الرحيم الرماح، رئيس منتدى التنمية الاجتماعية، في مقالاته ومداخلاته، يتضح أن الحماية الاجتماعية ليست فقط أداة لضمان الحد الأدنى من الأمان الاجتماعي، بل مدخل رئيسي لحماية المقاولة الوطنية وتقوية النسيج الاقتصادي. لكن كيف يمكن للحوار الاجتماعي أن يواكب هذا الدور التحويلي؟ وما هي الشروط المؤسسية والبنيوية اللازمة لذلك؟

الإشكالات البنيوية لغياب التصريح وضُعف المراقبة: عند تفكيك وضعية التصريحات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، يطفو على السطح مشهد معقد من الخروقات البنيوية التي تطال معظم القطاعات، بل وحتى المؤسسات التي يُفترض أن تكون نموذجا في الامتثال. فهل نحن أمام خلل في الإرادة السياسية، أم أمام منطق اقتصادي يغذيه التساهل مع المخالفات؟

قراءة في أبرز القطاعات المتضررة:

  • المقاولات الصغيرة والمتوسطة: في ظل منافسة غير متكافئة، يصبح التهرب من التصريح وسيلة للبقاء، لكن ذلك يُنتج هشاشة جماعية تُفقد الاقتصاد تماسكه.

  • قطاع البناء: أكبر مظاهر الفوضى وغياب التصريحات، وهو ما يطرح تساؤلات حول غياب ربط الدعم العمومي بالامتثال القانوني.

  • القطاع الفلاحي: رغم التنظيم المهني القوي، فإن الخروقات مستمرة، مما يستوجب جلسة حوار ثلاثي مخصصة لهذا القطاع.

  • قطاع المناولة والمقاهي والمطاعم: غياب الرقابة وتراخي الجهات المانحة للعقود يفرغ دفاتر التحملات من مضمونها.

  • النقل والخدمات التقليدية: ملفات قديمة تعود إلى عهد حكومة عباس الفاسي، لكنها ما زالت تبحث عن تفعيل حقيقي للاتفاقات.

هل اللجنة الثلاثية هي الحل؟ يقترح الرماح إحداث لجنة وطنية ثلاثية تنبثق عنها لجان جهوية وإقليمية، فهل يمكن لهذا التصور أن يحوّل العمل الرقابي من مركزية بيروقراطية إلى تدبير ترابي وقائي وفعّال؟ وماذا عن تمثيلية الفئات الهشة داخل هذه اللجان؟

تحديات التحول من المقاربة الزجرية إلى التحفيزية: الرهان لا يكمن فقط في تفعيل القانون، بل في إعادة بناء الثقة بين الأجراء، المشغلين والدولة. فهل نملك من أدوات التحفيز ما يكفي لتغيير السلوكيات؟ أم أن الخلل يكمن في غياب آلية للتقييم المستقل والشفاف لبرامج الحماية؟

خاتمة تحليلية: ما بين طموح تأمين العدالة الاجتماعية وواقع اقتصاد قائم على الهشاشة واللا تصريح، تبدو الحماية الاجتماعية اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولة على إعادة هندسة العلاقة بين الاقتصاد والمجتمع. والحوار الاجتماعي، إذا ما تم تطوير آلياته ومأسسته، قد يتحول من وسيلة تفاوض موسمية إلى فضاء دائم لصناعة القرار الاجتماعي والاقتصادي.

سؤال مفتوح للمتابعة: هل يُمكن أن يتحول الحوار الاجتماعي إلى منصة لإعادة بناء تعاقد اجتماعي جديد في المغرب؟ أم أن منطق التدبير الظرفي سيظل سيد المرحلة؟