الخارجية الأمريكية: “التسامح الديني يعد سمة مميزة لتاريخ المغرب”

0
296

لا جرم أن المغرب الأقصى، كما يعرف المتبحرون في التاريخ، ظل من الدول العربية والإسلامية القليلة التي استمر فيها المجال السياسي الإسلامي التقليدي قائماً منذ أن بدأ تقنين هذا المجال في التجربة الحضارية العربية الإسلامية، وبالضبط في العصر العباسي الذي قامت فيه بالمغرب دولة مستقلة عن الخلافة العباسية هي دولة الأدارسة. وأسير هنا على خطى المرحوم محمد عابد الجابري عندما اعتبر أن «الدولة الوطنية» و«الهوية والوطنية» هما بمثابة سفحي جبل واحد، ولا يختلف اثنان في هذا الجانب على أن الدستور المغربي لسنة 2011 هو الأكثر تطوراً بالقياس لباقي القوانين الأساسية في تاريخ المغرب.

لقد افادت وزارة الخارجية الأمريكية، في تقرير جديد نشره، أمس الخميس، مكتب المبعوث الخاص للولايات لمراقبة ومكافحة معاداة بأن “التسامح الديني يعد سمة مميزة لتاريخ المغرب، منذ أن تم استقبال اللاجئين الفارين من شبه الجزيرة الإيبيرية في أواخر القرن الخامس عشر، وصولا إلى جهود الملك الراحل محمد الخامس لحماية اليهود خلال الحرب العالمية الثانية”.

وأكد الدور الذي يضطلع به بيت الذاكرة بمدينة الصويرة، مسجلا أن الهدف من إنشاء هذا الفضاء يتمثل في “المساهمة في الحفاظ على التراث اليهودي القديم للمغرب من خلال ترميم كنيس يهودي تاريخي، يشهد على الإرادة الحسنة التي تحدو البلاد إزاء مواطنيها من ديانة يهودية”.

وأضاف التقرير أن “الفضاء يعد رمزا لالتزام المغرب بالتعددية الثقافية والحفاظ على تراثه اليهودي الغني”.

وسلط التقرير الضوء على العمل الذي تقوم به جمعية “ميمونة”، مشيرا إلى أن هذه المنظمة غير الحكومية تعمل على “توعية الشباب المغربي بالتاريخ الثقافي اليهودي الغني في البلاد منذ آلاف السنين”.

وأوضح التقرير أن “هذه الجمعية تأسست من طرف مجموعة من الطلاب المسلمين الشباب، الذين يطمحون إلى تعزيز التراث اليهودي المغربي والحفاظ عليه”.

وأشار إلى أن “أنشطة الجمعية تتمحور أساسا حول البرامج التعليمية التي تعزز حوار الأديان وتشجع التعددية الثقافية في المغرب”.

ويتطرق التقرير الأمريكي إلى أكثر من 40 مبادرة عبر العالم، تهدف إلى تعزيز التسامح الديني ومكافحة معاداة السامية.

واحتفظ دستور 2011، وبعناية فائقة، بصيغة وردت في كل الدساتير السابقة، صيغة تربط بين الطابع الإسلامي للمغرب والحرية الدينية، لدرجة أنها تعتبر أن «الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية» (الفصل 3). فهي صيغة دستورية في غاية الدقة والتسامح وقبول الآخر وبناء الأسرة الإنسانية الواحدة والبيت المجتمعي المشترك بعيداً عن التعصب. ويمكن اعتبارها مدرسة نتمنى أن يتم تكرارها في دساتير عربية وإسلامية أخرى، خاصة وأنه لا تصاحبها أية إحالة على القانون لتنظيم ممارستها أو أي تحفظ على خطر الإخلال بالنظام العام، عكس غيرها من الحقوق والحريات المنصوص عليها في القانون الأساسي المغربي وعدد من الاعترافات بالحرية الدينية في بيانات دول أخرى.

وإذا كان التسامح الديني تقليداً قديماً جداً في المملكة المغربية، وسابقاً للاستعمار وفي مصلحة الذميين، فقد تضمن مشروع دستور 1908، أي أربع سنوات قبل بداية الحماية الفرنسية في المغرب، عبارة مفادها أنه «تحترم جميع الأديان المعروفة دون تمييز. وأتباعها لهم الحق في ممارسة شعائرهم الدينية بكل حرية»، لكن بهذا الاحتياط: «شريطة احترام النظام العام». وقد اختفى هذا المرجع الأخير في دستور 2011.

كما أن صيغة «دولة إسلامية ذات سيادة» الموجودة في الديباجة تضاف إليها بعد ذلك جملة جديدة معبرة: «كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوؤ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء». وفي نص الدستور نفسه، نجد إشارة في الفصل الأول إلى «الدين الإسلامي السمح». كما يشمل الفصل المطول حول الأحزاب السياسية منعها من أن يكون «هدفها المساس بالدين الإسلامي»، كما يمنع «أن تؤسس الأحزاب السياسية على أساس ديني» (الفصل 7 الفقرة 4 و5).

لقد انخرط المغرب بوتيرة سريعة في سياسة إعادة هيكلة الحقل الديني، وأعاد الاعتبار للتفكير العمومي كقاطرة لتدبير قضايا التحديث بالبلاد، وذلك بمراجعة العديد من القوانين والتشريعات المنظمة لهذا المجال، كتأسيس معهد الأئمة والمرشدات، وتبني مشروع طموح لتأهيل مدارس التعليم العتيق، ليتلو ذلك التأطير الديني للمغاربة المقيمين بالخارج، بإحداث مجلس علمي للجالية.. إلخ.

وفي إطار تجذير إسلام سمح وسطي ومعتدل، تم إحداث المجلس العلمي الأعلى (الفصل 41) والمجالس العلمية المحلية، وتمت مراعاة شرطين أساسيين في اختيار أعضاء المجالس العلمية: القرب من الناس، والالتزام بالمذهبي المالكي الوسطي المعتدل. والعالم بالتعريف لم يعد الحاصل على شهادات عليا في تخصص الدراسات الإسلامية فحسب، وإنما يعني بالدرجة الأولى الشخص الذي يحمل علماً شرعياً صحيحاً مع الالتزام بالمذهب.