في افتتاح الدورة البرلمانية لخريف 2025، عاد الملك محمد السادس ليضع البوصلة الوطنية من جديد في زمن سياسي يتّسم بالغموض واحتقان اجتماعي تقوده أجيال شابة ترفع شعارات “الكرامة والعدالة والفرص”. خطاب الملك هذه المرة جاء حازماً في لغته، دقيقاً في توجيهاته، ومعبّراً عن قلق عميق من بطء التحولات التي يفترض أن تكون قد بدأت منذ سنوات.
ليس مجرد تقييم للأداء السياسي، بل خارطة طريق واضحة لصناعة التحول، حيث العدالة المجالية والاجتماعية ليست خيارًا، بل التزام جماعي، وشرعية السياسة لا تُقاس بالتصريحات، بل بالنتائج الملموسة على الأرض.
المسؤولية الجماعية: الحكومة ليست وحدها
قال جلالته:
“كما أنها أيضًا مسؤولية الأحزاب السياسية والمنتخبين بمختلف المجالس المنتخبة، وعلى جميع المستويات الترابية، إضافة إلى وسائل الإعلام وفعاليات المجتمع المدني، وكل القوى الحية للأمة.”
الرسالة هنا تتجاوز الخطاب التقليدي للحكومة: التنمية ليست مهمة جهة واحدة، بل ورش وطني جماعي، وكل تقاعس يُعتبر تعطيلًا.
السؤال الملح: هل ستستجيب الأحزاب والمنتخبون والهيئات المدنية لدعوة الملك إلى ممارسة المحاسبة الذاتية والالتزام الفعلي؟ أم ستظل التنمية حبيسة الشعارات؟
العدالة المجالية والاجتماعية: من شعار إلى رهان مصيري
“فالعدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية ليست مجرد شعار فارغ… وإنما نعتبرها توجهاً استراتيجياً يجب على جميع الفاعلين الالتزام به.”
الخطاب يحوّل العدالة المجالية إلى مبدأ ناظم للسياسات العمومية، ويربط شرعية المشاريع التنموية بمدى قدرتها على تقليص الفوارق الجغرافية والاجتماعية.
السؤال الذي يفرض نفسه: كيف سيتم محاسبة الجهات التي لا تطبق هذا المبدأ؟ وهل هناك معايير واضحة للنجاعة والإنصاف؟
الشباب وجيل زد: تمكين وليس مجرد انتظار
“تشجيع المبادرات المحلية والأنشطة الاقتصادية، وتوفير فرص الشغل للشباب.”
الخطاب يوجه دعوة للانتقال من سياسة التشغيل التقليدية إلى منطق التمكين. الشباب لم يعد مجرد فئة مستهلكة للخدمات، بل قاعدة اقتصادية واجتماعية لصناعة التحول.
في ظل احتجاجات رقمية غير مسبوقة، يُمكن اعتبار خطاب الملك موجّهًا بشكل ضمني إلى جيل زد، الذي يرى أن السياسة التقليدية عاجزة عن استيعاب لغته وطموحه.
السؤال: هل تكفي هذه الرسائل الرمزية لطمأنة الجيل الرقمي الذي فقد الثقة في الخطاب السياسي؟ أم أن المطلوب هو تجديد فعلي في الوجوه، الممارسات، وقنوات التواصل؟
المناطق الجبلية والواحات: استثمار في الأصول الاستراتيجية
“أصبح من الضروري إعادة النظر في تنمية المناطق الجبلية… وتمكينها من سياسة عمومية مندمجة تراعي خصوصياتها ومؤهلاتها الكثيرة.”
الأطراف النائية لم تعد هامشًا تنمويًا، بل رصيدًا استراتيجيًا. السؤال: هل ستتوفر الموارد والآليات الكافية لضمان أن تصبح هذه المناطق جزءًا فاعلًا من الاقتصاد الوطني المستدام؟
السواحل الوطنية: التنمية المستدامة بين الاقتصاد والبيئة
“التفعيل الأمثل والجدي لآليات التنمية المستدامة للسواحل الوطنية… وتحقيق التوازن بين التنمية وحمايتها.”
التنمية البحرية ليست رفاهية، بل استثمار في ثروات الأجيال القادمة. السؤال: هل سيترافق هذا التوجه مع آليات صارمة لمحاسبة أي استغلال غير مستدام؟
المراكز القروية: عقد تنموية جديدة
“توسيع نطاق المراكز القروية… على أن تشكل هذه المراكز الناشئة حلقة فعالة في تقريب الخدمات.”
القرى لم تعد خلفية للتنمية، بل محاور أساسية للتوازن الوطني. السؤال: هل ستنجح المراكز القروية في تحقيق الخدمات الموازية للمدن، أم ستظل مجرد شعار إداري؟
ثقافة النتائج والرقمنة: نهاية البيروقراطية
“ترسيخ ثقافة النتائج، بناءً على معطيات ميدانية دقيقة، واستثماراً أمثل للتكنولوجيا الرقمية.”
الملك يوجه دعوة صريحة للانتقال من منطق التسيير التقليدي إلى منطق التدبير الحديث.
السؤال: هل سيتحول هذا التوجيه إلى واقع ملموس في الإدارات والوزارات، أم ستظل الرقمنة مجرد واجهة؟
المال العام: خط أحمر لا يُمس
“لا نقبل أي تهاون في نجاعة ومردودية الاستثمار العمومي.”
المشاريع التنموية يجب أن تكون ذات أثر ملموس، وكل تقصير أو تبذير سيواجه بالمحاسبة.
السؤال: هل هناك خطة واضحة لتتبع أثر كل درهم يُصرف، أم سيبقى الخطاب شعارًا؟
الحكومة والبرلمان تحت المجهر
الخطاب كان أشبه بـ”محضر تقييم” للأداء العام:
-
“ننتظر وتيرة أسرع وأثراً أقوى”.
-
“لا نقبل أي تهاون في نجاعة الاستثمار العمومي”.
-
“دفاع النواب عن قضايا المواطنين هو في صلب مهامهم”.
هذه العبارات تشكل تحذيرًا ضمنيًا للمؤسسات، وتجعل من الخطاب وسيلة للمساءلة الرمزية قبل القانونية.
السؤال: هل ستستجيب الحكومة والبرلمان لهذه الإشارات أم ستظل مجرد كلمات على الورق؟
خريطة المخرجات التنفيذية
-
تقويم زمني مُلزم: استكمال القوانين والمشاريع خلال السنة الجارية.
-
استهداف مجالي ذكي: سياسات مندمجة للمناطق الجبلية والواحات.
-
اقتصاد بحري مستدام: حكامة في الاستغلال وحماية للموارد.
-
عقد قروية خدماتية: إدارات قريبة وخدمات متوازنة.
-
رقمنة مُلزمة بالنتائج: بوابات موحدة وآجال قانونية دقيقة.
-
تعقب الأثر المالي: ربط الميزانيات بالمردودية الاجتماعية والمجالية.