الداكي : الحرية حق مقدس وبدائل “الحبس الاحتياطي” غائبة في التشريعات الوطنية ..من يتحمل مسؤولية هذا الوضع…القضاء أم المشرع؟

0
217

يثير الحبس الاحتياطي أو الاعتقال الاحتياطي في المغرب جدلاً واسعاً في الأوساط الحقوقية مع الارتفاع الكبير في أعداد المعتقلين على ذمة قضايا مختلفة، الذي يتم، حسبها، بشكل “مفرط”.

تطوان (شمال المغرب) – قال الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، اليوم الجمعة بتطوان، إن حرية الأفراد تعتبر حقا مقدسا أقرته المواثيق الدولية وقيدت المساس به لأضيق الحدود.

وأكد الوكيل العام في كلمة له بمناسبة افتتاح ندوة علمية حول “الاعتقال الاحتياطي” أن دستور المملكة المغربية يولي لهذا الحق أهمية بالغة، كما أن قانون المسطرة الجنائية أكد على أهمية الحق في الحرية حينما اعتبر في المادة 160 منه، أن الاعتقال الاحتياطي ما هو إلا تدبير استثنائي.

ولا تخفي  رئاسة النيابة العامة في المغرب، أن “اللجوء المفرط” لهذا الإجراء “الاستثنائي، الذي يكاد يكون قاعدة”، من الأسباب الرئيسية للاكتظاظ في السجون المغربية، وفق تقرير لها في تموز/يوليو. كما شددت رئاسة النيابة العامة في يوليو الماضي على أن قضاتها وقضاة التحقيق “مطالبون بترشيد” الاعتقال الاحتياطي باعتباره “إجراء استثنائيا”، موجهة رسالة للمؤسسة التشريعية على أن “المشرع مطالب بتوفير بدائل للاعتقال الاحتياطي”. 

وسجل الداكي ،الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، أن من أبرز أزمات الاعتقال الاحتياطي ارتفاع معدلاته، وما قد يفرزه ذلك من تأثيرات سلبية على الوضعية العامة للساكنة السجنية، الأمر الذي يسائل الفاعلين القضائيين الذين لهم سلطة الاعتقال، وفي مقدمتهم النيابة العامة، على دورها في ترشيد الاعتقال الاحتياطي وما تم اتخاذه من تدابير وإجراءات في هذا الإطار.

تشير تقارير حقوقية، أن السلطات القضائية تلتجئ في الكثير من الحالات إلى الاعتقال الاحتياطي بنوع من “الإفراط”، لاسيما ضد الحقوقيين والصحافيين. وعلى الرغم من تراجع عدد المعتقلين احتياطيا في السنوات الأخيرة، إلا أن نسبتهم لا تزال تقارب 39 بالمئة من نزلاء السجون، وكان عددهم 33689 في نهاية 2019، حسب أحدث تقرير لرئاسة النيابة العامة.

وأكد أن النيابة العامة تحرص قبل إصدارها للأوامر بالاعتقال على ضرورة الموازنة بين مصلحتين أساسيتين، أولهما حق الفرد في الحرية بما يتضمنه من حمولة حقوقية ودستورية، وثانيهما حق المجتمع في الأمن والطمأنينة عبر التصدي للجرائم التي تضر به وبحقوق الضحايا.

وأبرز أن الموازنة في هذا الصدد صعبة، فكما يُنتقد اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي لمساسه بالحرية، كثيرا ما يُنتقد موقف النيابة العامة لعدم متابعتها للمشتبه فيه في حالة اعتقال.

وعدد المتحدث وجود عدة محددات تساهم في الرفع من قرارات الاعتقال الاحتياطي، فمعظم النصوص القانونية المؤطرة لمختلف الميادين، تحمل في طياتها مقتضيات زجرية تتضمن عقوبات سالبة للحرية، الأمر الذي قد يفرز تحريك متابعات قضائية في حالة اعتقال في مواجهة المخالفين لها، هذا بالإضافة إلى غياب بدائل متعددة للاعتقال الاحتياطي على المستوى التشريعي.

وأضاف الداكي أن واقع الجريمة ومعدلاتها يشكل عاملاً محدداً في هذا الإطار، إذ يلاحظ أنه سنة بعد أخرى يرتفع عدد الأشخاص المقدمين إلى النيابات العامة للاشتباه في ارتكابهم جرائم، حيث ارتفعت نسبتهم في الأربع سنوات الأخيرة بـ 20℅.

وشدد على أن رئاسة النيابة العامة واعية أشد الوعي بضرورة ترشيد الاعتقال الاحتياطي، لذا تحرص على تتبعه بشكل دقيق وتقوم بتوجيه رسائل دورية، وتحث قضاة النيابة العامة على تفعيل الطابع الاستثنائي للاعتقال الاحتياطي، وعدم إصدار قرار الإيداع في السجن إلا إذا توفرت وسائل إثبات قوية، وخطورة بارزة، سواء في الجريمة المرتكبة أو في سلوك الجاني، وهو ما أدى إلى انخفاض في نسب الاعتقال الاحتياطي.

ولفت الداكي إلى أن تخفيض معدل الاعتقال الاحتياطي لا يمكن أن ينجح بجهود النيابة العامة وحدها، فالعوامل المتدخلة في عدد المعتقلين تتميز بالتعدد، بدءً من مرحلة ما قبل وقوع الجريمة، ثم تمتد إلى غاية انتهاء العملية القضائية وصيرورة الحكم الصادر في مواجهة المعتقل حائزاً لقوة الشيء المقضي به.

وأفاد أن 18% فقط من المعتقلين خلال سنة 2020 لم يتم البت في قضاياهم بحكم ابتدائي يقضي بعقوبة سالبة للحرية، واعدا بتفعيل بدائل الاعتقال الاحتياطي، في حالة إقرار بدائل جديدة عنه تشريعيا.

الاعتقال الاحتياطي يثير غضب الحقوقيين

اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي على نطاق واسع في المملكة، يثير غضب الطبقة الحقوقية في المغرب. فالإئتلاف الحقوقي، المكون من 20 جمعية، قال في بيان سابق : “كفى من الاعتقالات قبل التحقيقات والمحاكمات”، معتبرا أن “حريات المواطنين والمواطنات تعيش أسوأ مراحلها (…) بفعل سياسة الاعتقال الاحتياطي بالمغرب الذي يضرب يمينا ويسارا بدون اتزان ولا حكمة أو تدبر من سلطة النيابة العامة”.

وأورد الائتلاف كمثال الصحافيين سليمان الريسوني وعمر الراضي المعتقلين احتياطيا على خلفية قضايا جنائية، تثير جدلا واهتماما إعلاميا، داعيا إلى إطلاق سراح “كل ضحايا سياسة الاعتقال الاحتياطي”.

ولا يزال رئيس تحرير صحيفة أخبار اليوم سليمان الريسوني (48 عاما) معتقلا احتياطيا منذ ثمانية أشهر، بعد أن اتهمه شاب بالاعتداء عليه جنسيا. ورفض القضاء الإفراج الموقت عنه في انتظار المحاكمة في ثلاث مناسبات، علما أن التحقيق معه انتهى، بحسب وكلاء دفاعه.

أما الصحافي عمر الراضي (34 عاما) فمعتقل منذ ستة أشهر لملاحقته في قضية “تخابر مع عملاء دولة أجنبية”، لم تحددها النيابة العامة، علاوة على قضية “اعتداء جنسي” إثر شكوى تقدمت بها زميلة له في العمل. وفتح التحقيق معه في قضية “التخابر” غداة صدور تقرير لمنظمة العفو الدولية اتهم السلطات المغربية بالتجسس على هاتفه. وهو ما نفته الرباط بشدة مطالبة المنظمة الحقوقية بنشر أدلتها.

ويعتقد المحامي محمد المسعودي الذي ينوب عن المتهمين الثلاثة أن “لا شيء يبرر اعتقالهم احتياطيا، إذ لم يوقفوا في حالة تلبس ولا يشكلون خطرا ويتوفرون على جميع ضمانات الحضور، بدليل تلبيتهم كل استدعاءات الشرطة”. قبل أن يضيف في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية “هذا ما يزكي تصريحاتهم بأنهم معتقلون بسبب آرائهم”.

“فبالرغم من التوافق رسميا ومن طرف جمعيات المجتمع المدني والجمعيات المهنية على أن الاعتقال الاحتياطي إجراء احتياطي وأن الأصل هو البراءة، فالاعتقال الاحتياطي تفاقم بشكل كبير”، حسب تصريح الرئيس الوطني للرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان إدريس السدراوي لفرانس24، مشيرا إلى أنه يتسبب في “تبعات خطيرة أهمها الاكتظاظ الكبير في السجون المغربية بالإضافة إلى التمييز في الاستفادة من المتابعة في حالة سراح…”.

ويدعو السدراوي لاستغلال فرصة مشروع إصلاح القانون الجناني المطروح للنقاش لـ”تضمينه العديد من الإصلاحات المتعلقة بالاعتقال الاحتياطي” على أن “يكون دقيقا وواضحا فيما يتعلق بشروط الاعتقال وألا يترك مجالا كبيرا للاجتهادات والتقديرات، لأنها أفرزت التمييز بين المتابعين، وفاقمت وضعية الاعتقال الذي أصبح هو الأصل”.

وأبدى السدرواي أسفه على “متابعة الصحافيين والحقوقيين في اعتقال… على الرغم من توافر كل شروط وضمانات الحضور”، معتبرا أن مشروع القانون الجنائي الجديد المطروح حاليا للنقاش، “إيجابي في بعض نقطه، لكن مع الأسف طال التقادم إنزاله، والنقاش السياسي غلب النقاش العلمي، وأكيد أن ذلك التأخر والتوافقات في تعديل بعض البنود والتأخر في تنزيله أفرز نقائص متعددة”.

ويظل النقاش مفتوحا حول الاعتقال الاحتياطي في المغرب على مستوى المؤسسة التشريعية أيضا، إذ أوصى برلمانيون من الأغلبية والمعارضة بترشيده أثناء مناقشة تقرير النيابة العامة قبل أسبوعين، محملين الحكومة مسؤولية الإسراع بتعديل القانون الجنائي المعروض للنقاش منذ 2016.

ومن جانبها، دعت رئاسة النيابة العامة في تموز/يوليو إلى “التعجيل” بالمصادقة على تعديلات للقانون الجنائي. إلا أن الائتلاف الحقوقي، حملها مسؤولية “الإفراط” في استعماله.