الدبلوماسية الملكية ومنطق التوازن: كيف يقرأ المغرب علاقته بقطر

0
170

في الدبلوماسية، ليست كل الرسائل متشابهة، ولا كل العبارات تُقرأ بظاهرها فقط. فحين يبعث الملك محمد السادس برقية تهنئة إلى أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بمناسبة العيد الوطني، فإن الأمر يتجاوز طقس المجاملة البروتوكولية إلى ما هو أعمق: رسالة سياسية هادئة، محمّلة بدلالات الاستمرارية، والرهان على علاقة ثنائية لها جذورها وحساباتها في آن واحد.

اللغة التي اختارها العاهل المغربي في هذه البرقية تبدو محسوبة بعناية. فهي لغة أخوة وتقدير متبادل، لكنها في الوقت نفسه لغة تثبيت لمسار، لا إعلان عن منعطف جديد. الحديث عن “عرى الأخوة” و”التقدير المتبادل” ليس استدعاءً عاطفياً بقدر ما هو تأكيد على قاعدة سياسية ظلّت تحكم العلاقة بين الرباط والدوحة: اختلاف في المقاربات أحياناً، لكن دون قطيعة أو توتر معلن، ودائماً ضمن سقف الاحترام المتبادل.

غير أن الجملة المفتاحية في البرقية تكمن في التعبير عن “التطلع الدائم لمواصلة العمل سوياً من أجل مزيد إثراء التعاون الثنائي وتوطيده على كافة المستويات”. هنا، تنتقل الرسالة من المجاملة إلى الرؤية. فـ”مواصلة العمل” تفترض أن هناك مساراً قائماً، و”إثراء التعاون” يوحي بأن هذا المسار لم يبلغ بعد كل إمكاناته، بينما “كافة المستويات” تفتح الباب أمام أبعاد تتجاوز الاقتصاد إلى السياسة، والثقافة، وربما التنسيق الإقليمي في سياق عربي يتسم بتقلبات حادة.

في العمق، تعكس هذه البرقية إدراكاً مغربياً بأن العلاقات الثنائية في العالم العربي لم تعد تُبنى فقط على الشعارات الكبرى، بل على توازنات دقيقة ومصالح متقاطعة. قطر، بما تملكه من وزن دبلوماسي وإعلامي واستثماري، تظل فاعلاً لا يمكن تجاهله، والمغرب، بحكم موقعه الجغرافي وخياراته الاستراتيجية، يقدّم نفسه كشريك مستقر يسعى إلى تنويع تحالفاته دون ارتهان.

كما أن توقيت الرسالة لا ينفصل عن سياق إقليمي يبحث عن إعادة ترتيب أوراقه. فالتأكيد على التعاون “لما فيه صالح شعبينا الشقيقين” يعكس وعياً بأن الشرعية الحقيقية لأي علاقة بين الدول لم تعد تُقاس فقط بنجاح النخب، بل بمدى انعكاسها على المجتمعات، في زمن أصبحت فيه الأسئلة الاجتماعية والاقتصادية أكثر إلحاحاً من الخطابات السياسية.