“الدوحة: التزام المغرب بمكافحة الفساد المالي: إنجازات على الأرض أم مجرد تصريحات؟”

0
66
الصورة : موقع وزارة العدل المغربية

في إطار الجهود الدولية لمكافحة الفساد المالي، أكد المغرب التزامه القوي بتعزيز التعاون الدولي خلال الاجتماع الوزاري الثاني لأجهزة مكافحة الفساد في الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، الذي عُقد بالدوحة. ترأس الوفد المغربي السيد هشام ملاطي، مدير الشؤون الجنائية والعفو ورصد الجريمة بوزارة العدل، مشيرًا إلى مجموعة من التدابير والآليات التي اعتمدتها المملكة في هذا الإطار.

مدير الشؤون الجنائية والعفو يبرز بالدوحة الجهود التي يقوم بها المغرب لتعزيز آليات التعاون الدولي في مجال مكافحة الفساد المالي.

آليات مكافحة الفساد: بين التصريحات والتنفيذ

أعلن المغرب عن سلسلة من المبادرات الهادفة لتعزيز مكافحة الفساد، منها:

  • التعاون الدولي: أبرم المغرب أكثر من 90 اتفاقية دولية في هذا المجال، مما أدى إلى تفعيل التعاون في ملفات متنوعة، خاصة المتعلقة بالمساعدة المتبادلة.

  • تطوير المؤسسات: إنشاء الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، والمحاكم المالية، بالإضافة إلى تخصصات داخل الشرطة القضائية.

  • تعزيز التشريعات: المغرب يعمل على إدخال تعديلات جوهرية في القانون الجنائي، تشمل جرائم مثل الرشوة في القطاع الخاص، ورشوة الموظف الأجنبي، وتضارب المصالح.

لكن، هل تترجم هذه الآليات على أرض الواقع؟ هل فعلاً تحقق هذه المؤسسات والمبادرات نتائج ملموسة في خفض معدلات الفساد؟

الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد

قبل حوالي 10 سنوات، أطلق المغرب الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، والتي تهدف إلى “توطيد النزاهة والحد من الفساد بحلول عام 2025″، مع تحديد مستهدفات واضحة مثل الوصول إلى مؤشر مدركات الفساد 60 من 100، ورفع المغرب 20 رتبة في مؤشر مناخ الأعمال. إلا أن هذه الأهداف لا تزال بعيدة المنال، خاصة بعد إصدار الهيئة الوطنية للنزاهة تقريرها لعام 2023، الذي أظهر تراجع المغرب على مستوى مؤشر الفساد بحصوله على 38 نقطة من 100، وهو ما يعكس تراجعًا بخمس نقاط خلال السنوات الخمس الأخيرة، وانتقال المغرب من الرتبة 73 إلى الرتبة 97 في مؤشر الفساد.

كما أشار التقرير إلى انتشار الفساد في القطاع الخاص، وخاصة في مجالات الحصول على التراخيص، والصفقات العمومية، والتوظيف، حيث يعتبر 68% من المقاولين أن الفساد “منتشر جدًا”. ويقدر الخبراء أن الفساد يمتص ما بين 4 إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل خسارة 20 مليار درهم سنويًا.

اتفاقية مكة ودورها في مكافحة الفساد

أبرز السيد ملاطي أهمية “اتفاقية مكة” للتعاون بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، معتبرًا أنها تقدم آلية جديدة لتعزيز العمل الجماعي ضد الفساد. الاتفاقية، التي تم توقيعها خلال الاجتماع، تحمل رسالة واضحة بعدم السماح لأي دولة بأن تصبح ملاذًا آمنًا للمفسدين أو لأموال الفساد. لكن، ما الذي يضمن تنفيذ هذه الاتفاقية؟ هل تمتلك الدول الأعضاء الأدوات القانونية والتنفيذية اللازمة؟

التحديات القائمة: عوائق أمام مكافحة الفساد

رغم الديناميكية التي أُحدثت، أشار السيد ملاطي إلى وجود تحديات كبيرة، أبرزها:

  • التنسيق بين الدول: يتطلب مكافحة الفساد تعاونًا عاليًا بين الأطراف المختلفة.

  • تزايد الشعبوية: النقاشات المجتمعية حول الفساد قد تتعرض للاستغلال السياسي، مما يضعف الجهود المبذولة.

  • أساليب الجرائم الجديدة: الفساد المالي يتطور مع استخدام التقنيات الحديثة، مما يستدعي تحديثًا مستمرًا لآليات المكافحة.

الواقع المغربي: إنجازات ملموسة أم شعارات؟

على الرغم من الجهود المعلنة، يبقى السؤال الأهم: هل تعمل المؤسسات المعنية بكفاءة أم أنها مجرد هياكل على الورق؟

تقييم المجتمع المدني والمؤسسات الدولية يظهر أن هناك تراجعًا مستمرًا في بعض المؤشرات الأساسية. وفي سياق مشابه، أصدرت الهيئة الوطنية للنزاهة في 2023 تقريرًا يعكس تدهورًا في وضع الفساد، مما يعمق الفجوة بين الحكومة والمواطنين.

نحو مقاربة شمولية لمكافحة الفساد

أكد المغرب أن مكافحة الفساد واجب وطني يستدعي مشاركة جميع مكونات الدولة. لتحقيق هذا الهدف، لا بد من:

  • تعزيز الشفافية: نشر تقارير دورية عن نتائج جهود مكافحة الفساد.

  • تفعيل الرقابة المستقلة: تمكين المؤسسات الرقابية من أداء دورها دون تدخل سياسي.

  • زيادة الوعي المجتمعي: إشراك المواطنين في مكافحة الفساد من خلال الإبلاغ عن المخالفات ودعم الشفافية.

وفي الختام، يبقى التساؤل: هل ستتمكن هذه المبادرات من تحقيق تغيير جذري في مشهد مكافحة الفساد بالمغرب؟ أم أنها ستظل محصورة في إطار التصريحات والاتفاقيات دون أثر حقيقي على أرض الواقع؟