الرئيس الفرنسي السابق قلق من سياسات ماكرون التي قد تفسد العلاقات مع المغرب بسبب “بناء صداقة مصطنعة” مع الجزائر

0
332

في مقابلة مطولة خصّ بها صحيفة ‘‘لوفيغارو’’ الفرنسية، بمناسبة صدور تكملة لمذكراته السياسية (2008-2012)، رد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، على جملة الأسئلة حول العديد من الموضوعات، من الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2027، إلى الحرب في أوكرانيا، مروراً بالعلاقات الفرنسية الجزائرية، إلى الانقلاب في النيجر والوضع في ليبيا.

باريس – قدم الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي تشخيصا دقيقا يستند للواقعية السياسية في بناء العلاقات الدبلوماسية والحفاظ على شركاء فرنسا، منتقدا سياسات خليفته الرئيس امانويل ماكرون في علاقة بطريقة تعاطيه مع العلاقة بين الجزائر وفرنسا، محذرا من أن سياساته ستنتهي إلى نتيجة تكون فيها باريس في وضع من لا يكسب ثقة الجزائر ويفقد في الوقت ذاته ثقة المغرب، لتركيزه على بناء صداقة مصطنعة مع الجزائر.

وفي مقابلة مع صحيفة لوفيغارو الفرنسية، نصح ساركوزي الذي لم يشر صراحة إلى قضية مغربية الصحراء والتردد الفرنسي في الإقرار بمبادرة الحكم الذاتي التي طرحتها الرباط أساسا لحل النزاع المفتعل في الصحراء، ماكرون بعدم “بناء صداقة مصطنعة” مع الجزائر على حساب المغرب.

وفي تعليقه على التقارب الذي يحاول ماكرون تحقيقه مع الجزائر وما سماه “بالمصالحة التاريخية” التي كان من المقرر أن تتحقق في الربيع بزيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى باريس، لكنها أجلت لأسباب لم يتم الإعلان عنها، أوضح أن القادة الجزائريين يستخدمون فرنسا “لتبرير إخفاقاتهم وافتقارهم للشرعية”. وقال إن سلطات الجزائر سترفض على الدوام “التصالح” وأنها فقط بأمس الحاجة “لتحويل الانتباه عن فشلها”.

وأعرب عن قلقه من تأثير جهود التصالح مع الجزائر على العلاقة مع الرباط. وقال “هذا التوجه يبعدنا عن المغرب، نحن نجازف بخسارة كل شيء، لسنا نكسب ثقة الجزائر ونحن نفقد ثقة المغرب”.

ويبدو ماكرون عالقا في متاهة التردد أو سوء التقدير لعواقب عدم تصحيح المسار في العلاقة مع المغرب بسبب حسابات سياسية لا يريد معها فقدان الشريك الجزائري.

ولم يكن الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي الشخصية الوحيدة التي نبهت ماكرون لتلك لعواقب استمرار الأزمة التي لم تعد صامتة مع المغرب، فقد سبقه إلى هذا الموقف الرئيس الأسبق فرنسوا هولاند الذي حثه على ضرورة إنهاء سوء الفهم.

وفي العام الماضي دعت شخصيات وطنية فرنسية بارزة ماكرون في ذروة أزمة التأشيرات، إلى ضرورة انهاء سوف الفهم والعمل على تعزيز العلاقات الثنائية، مشيرة إلى أن المغرب يعتبر شريكا استراتيجيا ووازنا.

وحث وفد برلماني فرنسي زار الرباط حينها على “الخروج” من أزمة التأشيرات التي وترت العلاقات الفرنسية المغربية منذ أكثر من عام. وقال نائب رئيس مجلس الشيوخ فانسان دولاهاي في نوفمبر/تشرين الثاني حينها “ينبغي إيجاد حلول للخروج من هذا الوضع بسرعة”.

وأضاف السناتور عن الضاحية الباريسية أيسون خلال زيارة قام بها برلمانيون ونظمتها لجنة الصداقة الفرنسية المغربية “يجب أن نحاول إيجاد طرق مقبولة للجميع”.

وفي سبتمبر/أيلول 2021 ، قررت باريس خفض عدد التأشيرات الممنوحة للجزائر والمغرب إلى النصف للضغط على الحكومات التي تعتبرها غير متعاونة لاستعادة مواطنيها المطرودين من فرنسا.

وتعتبر فرنسا متساهلة جدا حيال مسألة الأراضي المتنازع عليها في الصحراء المغربية التي تمثل “قضية وطنية” بالنسبة للمملكة التي أثار غضبها تقارب باريس الأخير مع الجزائر والذي تجسد بشكل خاص بزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى العاصمة الجزائرية في أغسطس/اب 2022.

وسبق أن حذرت أوساط فرنسية الرئيس ماكرون من الوقوع فريسة للابتزاز الجزائري بينما ترغب فرنسا في توقيع صفقات لشراء الغاز من الجزائر على غرار إيطاليا وسط مخاوف من أزمة طاقة تتهدد أوروبا على وقع وقف الروس أو تقليصهم لإمدادات الغاز لدول الاتحاد الأوروبي بسبب العقوبات الغربية المفروضة على موسكو ردا على غزوها لأوكرانيا.

واعتبرت تلك الأوساط أن الجزائر باتت تستخدم ورقة الغاز لابتزاز الشركاء الأوروبيين سياسيا، مشيرة إلى الرد الجزائري الانتقامي من اسبانيا حين أقرت الحكومة الاسبانية بمغربية الصحراء وأكدت أن مقترح المغرب للحل الذاتي في الصحراء تحت سيادته هو الأساس المنطقي والواقعي والقابل للتطبيق كحل للنزاع في الصحراء.

وتشير تصريحات الرئيس الفرنسي الاسبق نيكولا ساركوزي التي جاءت بمناسبة التعليق على صدور كتابه الجديد ‘زمن المعارك’ إلى حالة الاضطراب في الدبلوماسية الفرنسية في علاقة بالوازنة في علاقاتها بين الجزائر والمغرب وفي التعاطي مع قضية النزاع المفتعل في الصحراء.

وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قد رسم حدود علاقات المملكة مع الشركاء وأنها تبقى رهين مواقفهم من قضية مغربية الصحراء وذلك حين أشار إلى أن المغرب ينظر لعلاقاته الخارجية بمنظار مغربية الصحراء، منهيا بذلك أي مناورات من قبل كثير من الدول من بينها فرنسا في ما يتعلق بالاعتراف بسيادة المملكة على كل أراضيها ووحدتها الترابية.

ويسعى ماكرون إلى تحقيق تقارب مع الجزائر على شكل مصالحة تاريخية، كان من المقرّر أن تتحقّق في الربيع بزيارة دولة للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبّون إلى باريس، لكنّ هذه الزيارة لم يحدّد موعدها حتى الآن، ما يشير إلى استمرار الخلافات بين البلدين.

وكان تبّون أكّد في 6 أغسطس/اب للتلفزيون الجزائري أنّ الزيارة “لا تزال قائمة” لكنّه ينتظر إعلان الرئاسة الفرنسية عن برنامجها، مضيفا”الأمر لا يتعلق بزيارة سياحية ولكن لا بدّ لها من نتائج”.